خبر غير سار للأتراك امين قمورية
ما إن تلاشى دوي الانفجار المزدوج الذي هز انقرة حتى راح كل من الافرقاء يرمي الاتهامات على “ليلاه”. الاكراد المكلومون مباشرة رموا التهمة على القوميين والدولة العميقة. القوميون وجهوا سهامهم الى حكومة اردوغان باعتبار انها الآن تحصد نتائج الانفتاح على “الارهاب الكردي” وتشجيعها له. اليسار حمّل الارهاب بشقيه الرسمي والاسلامي المسؤولية. الحكومة التي تتخبط في ازماتها خلطت الحابل بالنابل بإلقائها تبعة جريمة واحدة على ثلاثة “مجرمين” معا لا يربطهم رابط: حزب العمال الكردستاني، داعش، والمخابرات الاجنبية. وعندما تعجز مكونات مجتمع واحد عن تحديد من هو عدوها المشترك، يكون الشقاق فعل فعله في نسيجها الموحد.
من سوروج الى ديار بكر الى انقرة، كشفت سلسلة التفجيرات المتلاحقة وجه تركيا المشوّه بالتناقضات الحادة والعميقة. القصة ليست فقط خياراً بين طربوش وقبعة أو بين حجاب، سفور، أو بين أتاتوركية واردوغانية أو بين علمانية واسلامية أو بين أكراد وأتراك أو بين سنة وعلويين او بين “خدمة” غولن و”عدالة” طيب، بل بين نهجين متعارضين ومتصارعين، علماني واسلامي، حفرا عميقا في التاريخ التركي الحديث ونجحا شكلا في فرض استقرار وإحداث تنمية، لكنهما لم ينجحا في ترسيخ ديموقراطية فعلية تساوي بين كل مكوناتها.
علمانية الدستور تعني بناء دولة المواطنة. ودولة كهذه ينبغي ان تلغي من نصوصها كل الابعاد والاوصاف العرقية والدينية والطائفية. لكن العلمانية التركية فريدة من نوعها في العالم، اذ خلطت علمانيتها بالقومية التركية على حساب القوميات الاخرى في بلدها، وكانت هي نفسها أول المنقلبين على المواطنة بالفصل الحاد بين النخبة الحاكمة وعموم الناس وتفضيل الانقلاب العسكري على صناديق الاقتراع. أما النهج الاسلامي الذي يفترض ان تلغي شموليته كل الفوارق الاجتماعية والمذهبية، فعمد الى تغليب الحزبي على الوطني، والتشبث بالاخطاء عوض تصحيحها، وتقديس الزعيم عوض الاستماع الى مطالب الناس، والتحريض الطائفي عوض الاقناع الوطني، وهذا ما قاده الى مراكمة اخطاء في سياساته الداخلية والخارجية انعكست سلبا على استقرار البلاد وأظهرت شروخاً في النسيج الاجتماعي كانت محجوبة عن الانظار.
تركيا التي نعمت اثناء العواصف الشرق الاوسطية بهدوء امني عكّرته نسبياً حربها الداخلية المحدودة مع اكرادها، وشهدت نموا اقتصاديا وضعها في مصاف الدول العشرين الكبرى ووفر لشعبها رخاء وازدهارا، تجد نفسها الآن تبتعد كثيراً عن أوروبا التي شاءت الانتماء اليها، وتنزلق بسرعة الى أتون الشرق وأمراضه المعدية والخطيرة.
انفجار، انفجاران، ثلاثة… هكذا تكون عادة مقدمات السقوط في منطقتنا. الخبر ليس ساراً للاتراك ولا لشعوب هذه المنطقة التي اعتادت دفع فواتيرها الباهظة وفواتير غيرها.
(النهار)