مفاجآت الأسد
غالب قنديل
يستغرق الغرب في ذهول المفأجاة الروسية على المسرح السوري وما كاد قادته يفركون عيونهم لمرأى إعصار “السوخوي” حتى تلقوا صفعة “الفيلق الرابع اقتحام” في ميادين القتال وتباعا بعد رسائل التحليق والتصدي الصاروخي الروسية السورية على الحدود التركية.
يحل الذهول ثقيلا في غرف العمليات والاستخبارات وفي وسائل الإعلام فخلال الأشهر القليلة الماضية روج الإعلام الغربي ومعه إعلام حلف العدوان على سورية في المنطقة لانطباع عن “إنهاك ” الجيش العربي السوري وتم التركيز غير مرة على اختراقات العصابات الإرهابية في بعض جبهات القتال بوصفها قرينة على تلك الخرافة بل وجرى تعميم الكذبة المتعلقة بتقسيم سورية وخرافة انكفاء الدولة الوطنية إلى ما سمي تجاوزا ” سورية المفيدة ” فماذا كشفت التطورات الأخيرة في الحرب على سورية ؟.
أولا تبين عمليا ان القيادة العسكرية السورية بتوجيه من الرئيس بشار الأسد وبإشرافه المباشر قامت بإعادة هيكلة للقوات المسلحة وأعدت قوة مقاتلة هجومية طليعتها الفيلق الرابع الذي أعلن عنه رئيس هيئة الأركان العامة وهذا الفيلق يخوض المعارك تحت غطاء جوي روسي سوري مشترك وعلى عدة جبهات دفعة واحدة.
للتعرف على القدرات القيادية السورية ينبغي الالتفات إلى أنه من غير أي إعلان او ضجيج انجزت عملية تدريب وتأهيل عشرات آلاف الجنود والضباط في إطار خطة الهجوم المعاكس لتحرير كافة المناطق السورية وللقضاء على الإرهاب التكفيري بالتوازي مع مواصلة عمليات المصالحة المحلية وفتح أبواب الحوار والشراكة الوطنية وهذا معناه انه بينما كانت الحملات الإعلامية الافتراضية تتحدث عن وهن قدرات الجيش العربي السوري كان هذا الجيش يواصل القتال وفي الوقت نفسه يتحضر لمعارك كبرى من غير ان تتسرب اي معلومات او اخبار عن خطة إعادة الهيكلة المبنية على دروس التجربة الميدانية والخبرات المحققة في سياقها بالشراكة مع حزب الله وإيران وروسيا .
هذا نموذج للفطنة القيادية وللخداع الاستراتيجي الذي سمح للرئيس الأسد وللقيادة العسكرية السورية بمباغتة حلف العدوان وأدواته بصورة ستكون لها انعكاساتها التراكمية في توازن القوى العسكري والسياسي .
ثانيا بالتوازي مع إعادة الهيكلة جرى تحضير الخطوات الروسية الهجومية سياسيا وعسكريا بكل إتقان وتم التمهيد لها عبر مجموعة من الخطوات التي انطلقت بالتنسيق المباشر بين الرئيس بشار الأسد والرئيس فلاديمير بوتين على امتداد الأشهر الستة الماضية وقد تضمنت تعزيز خط الحوار الذي ترعاه موسكو بين الحكومة السورية والمعارضة الوطنية وبمبادرات وخطوات نوه بها الرئيس الروسي غير مرة وقابلها الرئيس الأسد بإيجابية ويمكن لمن يستقريء خط التصريحات الرئاسية السورية والروسية ان يجد سياقا واحدا ومتناغما في الأفكار والمواقف والمقترحات التي تركز على سحق الإرهاب وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية سورية تتوج الحوار الوطني بعد استرجاع سيطرة الدولة الوطنية على الأرض السورية وهذا التنسيق بين الزعيمين بوتين والأسد تم من خلال منظومة التحالف الصلبة التي تضم إيران والمقاومة والعراق من خلال مباحثات ودراسات ميدانية وتخطيط استراتيجي مشترك انتج غرفة عمليات بغداد وستظهر معالمه تباعا في المرحلة المقبلة وقد ألمح قائد المقاومة السيد حسن نصرالله إلى التحضيرات التي جرت في موسكو وطهران خلال الأشهر المنصرمة.
ثالثا التناغم والتزامن بين إعادة هيكلة القوات السورية المسلحة والمبادرة الهجومية الروسية وتثبيت الحلف المقاوم الذي يقاتل إلى جانب سورية يمثل حلقة القوة التي تستطيع فرض تغيير شامل في معادلات الحرب وتوازناتها بعد استنفاذ جميع المحاولات السياسية التي قامت بها موسكو لإقناع الولايات المتحدة ودول الناتو وحكومات المنطقة المتورطة في الحرب بالكف عن دعم المجموعات الإرهابية في سورية وبالتعاون في حلف عالمي ينطلق من الأمم المتحدة ورغم ان القيادة الروسية أجلت منذ صيف العام 2012 تسليم الجيش العربي السوري أسلحة نوعية تسهم في تعديل التوازن في الحرب على الإرهاب فإن المعسكر الغربي بقيادته الأميركية وبمكوناته الإقليمية واصل العربدة وظل يعرقل الحوار السياسي السوري ويصعد من دعمه للإرهاب الذي باتت محاربته وسحقه في سورية مصلحة قومية عليا للدولة الروسية وجوارها الآسيوي المهدد بارتداد الإرهابيين وحل التوقيت المواتي للمبادرة الروسية بعد الاتفاق النووي الإيراني وإنجاز شوط مهم في إعادة هيكلة القوات العربية السورية.
حكمة القائد بشار الأسد وعلاقة الثقة التي تربطه بالزعيم الروسي وصبرالأسد وشجاعته في أقسى الظروف توجت بنضج القرار الروسي الحاسم إلى جانب الشقيق الإيراني وقيادة المقاومة في لبنان مع الشقيق العراقي لتكوين كتلة استراتيجية قادرة على صد التهديد الإرهابي وهي تستند إلى حلف عالمي كبير يبدأ بالصين ويمتد إلى منظمة شانغهاي ومجموعة البريكس وسائر دول آسيا المهددة بالإرهاب التكفيري.
إن ما يدور اليوم في المنطقة والعالم هو مفاجأة كبيرة استراتيجيا أعدها بإتقان قائد وزعيم مقاوم هو الرئيس بشار الأسد الذي يمسك مع شركائه وحلفائه الكبار بزمام المبادرة.