مقالات مختارة

الناتو يحذّر روسيا خلّبياً برأس حربته.. حين الضرورة! وسيم ابراهيم

 

أجواء الخصومة ليست جديدة، وتقارب أحيانا دعاية الحرب الباردة. الخطوة الروسية الكبيرة في سوريا لم تفعل إلا تصعيد الحرب الكلامية من الحلف الأطلسي. بدا واضحا أن لا حماسة لدى الأطلسي للذهاب أبعد. لم يغيّر كثيرا كل الضجيج الذي أثارته أنقرة ضد تدخل موسكو العسكري في سوريا، تحت عنوان «انتهاك» مقاتلاتها للمجال الجوي التركي. لكن الحرب الكلامية بحاجة لحطب بدورها. لذلك أعلن الأطلسي أن لديه ما يرد على التصعيد، عبر نشر قوة الرد السريع في تركيا إذا لزم الأمر. اللافت كان التحذير الغامض الذي أطلقته واشنطن، متنبئة بأن روسيا ستواجه «خسائر بشرية» قريبا جراء «الخطأ الاستراتيجي» السوري.

الاجتماع الذي عقده وزراء دفاع الحلف الاطلسي في بروكسل، أمس، لم يقدم أفعالا تسند حربه الكلامية. كانت مجرد أفعال عالية الفرقعة. قال الأمين العام لـ «الاطلسي» يانس شتولتنبرغ إن «الناتو» جاهز للرد على أي تهديد تتعرض له أنقرة. إنها احدى دول الحلف، وهناك معاهدة دفاع مشترك تشكل مظلة أمنية لجميع دوله الـ 28.

الجديد هو الحديث عن كيفية «الجاهزية» للرد. شدد شتولتنبرغ على أن الأداة المناسبة هي «قوات الرد السريع»، تلك العالية الجاهزية والقادرة على الانتشار خلال 48 ساعة. قال إن هذه القوات «لديها القدرة والهيكل لنشرها هناك»، مذكّرا بأنها تتضمن قوات العمليات الخاصة وتتفوق أيضا في قدرات القوات البحرية فيها.

لماذا لا ينشرونها إذا، طالما أن الهدف هو إظهار «الردع» إزاء تهديد يتبناه الحلف؟ الجواب من نفس طينة عدم الحماسة للتحرك، كما ورد على لسان أمين الحلف نفسه: لإظهار «أننا قادرون على ذلك»، أي الردع، أمر «لا نحتاج إلى نشر القوات».

خلال الربيع الماضي أعلن الحلف الأطلسي تشكيل قوة عالية الجاهزية، رأس حربة، قال إنها جاهزة للرد على التهديدات القادمة من الشرق والجنوب. كان الهدف الأساسي هو الاستجابة لمخاوف دوله المجاورة لروسيا، تلك التي رأت انخراط قوات روسية في الأزمة الأوكرانية تهديدا لها. تشاء الصدف أن يلوّح الحلف بحربته هذه أمام روسيا أيضا، رغم حديثه السابق أن استخدامها في الجنوب مرجّح لمواجهة تهديدات الارهاب.

لا يقنع التلويح لروسيا بهذه «الهراوة» بعض الخبراء العسكريين. منهم بروكس تيغنر، المحلل في مجلة «جاينس ديفنس» الأميركية المتخصصة بالشؤون العسكرية. يقول لـ «السفير» مختصرا جوهر المسألة: «أشّك جدا أن الناتو سيقبل القيام برد عنيف، أو يوافق على اسقاط طائرة روسية تحلق في المنطقة، فهذا ستكون له مخاطر سياسية كبيرة جدا جدا»، قبل أن يضيف «لماذا سيرسل الناتو فجأة قوات رد سريع لمواجهة مع روسيا فيما هو لا يشارك أصلا في التحالف ضد داعش، التهديد المفترض أنه الأكبر؟».

التحرك الجدي لـ «الناتو» برأي تيغنر ستكون له مقدمات، لا تحتاج تفسيرات أو تحليلات: «إذا لم تطلب تركيا تفعيل المادة الخامسة (بند الدفاع المشترك في ميثاق الحلف)، وتقول نحن نعيش تهديدا من روسيا على طول حدودنا، فأنا لا أرى أن الناتو سيستجيب لذلك».

تحت مظلة الحلف هناك من يسخر، بشكل ما، من صراخ تركيا حول «انتهاكات» الطائرات الروسية لأجوائها. حينما سألت «السفير» وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس، عن القضية، لم يستطع كتم ابتسامته. قال إن «الانتهاك للمجال الجوي الوطني مدان من الجميع. لقد أدنا ذلك. (لكن) نأمل في أن تركيا سوف توقف الانتهاك للمجال الجوي اليوناني، فكل يوم لدينا أكثر من 35 انتهاكا كهذا، أعتقد أنهم الآن يفهمون أنه أمر سيئ جدا».

اليونان من دول «الناتو» القليلة التي تنفق على الجانب العسكري فوق 2 في المئة من ناتجها الاجمالي.

الخصومة مع تركيا هي السبب الأهم لذلك. الافتراق بينهما مستمر منذ فرضت تركيا، عبر حضورها العسكري، تقسيم قبرص إلى يونانية وتركية. لكن أثينا هي من دول الحلف التي لا تفضل الحديث بنبرة خشنة عن تدخل روسيا. رداً على سؤال «السفير» إن كانت بلاده توافق على «إدانة» التحرك الروسي، قال كامينوس «لا، لا. أعتقد أنه يجب أن نتعاون مع روسيا، أعني الناتو يجب أن يتعاون، لأن الأكثر أهمية هو خلق فضاء آمن من اجل عودة اللاجئين».

عدم جدية تحذيرات الأطلسي ظهرت أيضا في الميدان العملي. ليست هناك حماسة لاستبدال بطاريات صواريخ الباتريوت، مع أن واشنطن وبرلين ستسحبانها من تركيا بداية العام المقبل. عدم العدول عن خطط هذا السحب، جعل التحذيرات الأطلسية بالجاهزية مثال شكوك مضاعفة. لتفادي الاحراج، أعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أنه ناقش القضية مع نظيره الاسباني، خلال زيارته لمدريد الاسبوع الماضي، لكن النقاش لم يرس بعد على تعهد اسبانيا بارسال بطاريات باتريوت بديلة.

في هذا السياق، يبدو أن مدريد قررت عدم تجاوز حدود الموقف الأميركي، على الأقل في التصريحات العلنية. سألت «السفير» وزير دفاعها بيدرو ماررينس إيولاتي عن الموقف من التدخل الروسي في سوريا. قال إن الأمر ليس أسود أو أبيض تماما، موضحا أنه «إذا كان لدينا عدو وتهديد مشترك، فنحن سعداء جدا أن نقوم جميعا بمواجهته معا»، قبل أن يستدرك «لكن إذا كان التحرك الروسي هو ليس بالضبط لقتال العدو نفسه، وهو داعش، فنحن تماما ضد هذا الشيء، لأننا نريد وحدة تحركنا وليس انقسامه».

وزير الدفاع الاميركي كان لديه جديد هذه المرة. بدون أن يفصّل كثيراً، أو يعرض سياقا واضحا، حذر روسيا من أنها ستواجه خسائر بشرية، طالما أن الكرملين لم يرجع عن «الخطأ الاستراتيجي الكبير» لدعمه الرئيس السوري بشار الأسد.

قال آشتون خلال مؤتمره الصحافي، قارئا من بيانه المكتوب، إن تدخل موسكو ستكون له «عواقب على روسيا نفسها، التي تخشى هجمات»، موضحا بذات لهجة التحذير الغامضة «خلال الأيام المقبلة سيبدأ الروس في تكبّد الاصابات». تحذير أم وعيد، ليس معروفا، لكنه بشر روسيا بانها تراهن على الحصان الخاسر. انتقد بشدة «شراكة» موسكو مع دمشق في «هجوم بري»، لاستعادة مناطق خسرتها، معتبرا أنه «حطّم واجهة أنهم (روسيا) هناك للقتال ضد داعش».الأمور لم تعد برأيه تحتاج لحاق كلمات روسيا، بل مراقبة تحركاتها التي «تفعل شيئا آخر».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى