السلطة تقمع الحراك: لا للمحاسبة.. ولا للمطالبة بها سعدى علّوه
أرسلت السلطة اللبنانية أمس، ومتحدة، رسالتَين للحراك المدني في لبنان: تجلت الأولى بطلب الأمانة العامة لمجلس النواب من النائبين جمال الجراح وزياد أسود عدم المثول أمام النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم للاستماع إليهما في تهم الفساد التي تبادلها نواب كتلتَي «التغيير والإصلاح» و «المستقبل» في جلسة لجنة الأشغال الإثنين الماضي. وحرصت في الثانية على ممارسة أعلى درجات القمع ضد تظاهرة الأمس التي خرج فيها المواطنون يطالبون بالإضافة إلى إيجاد حل مستدام وبيئي للنفايات، بمحاسبة المسؤولين عن الفساد والفاسدين. قالت السلطة كلمتها: «لا للمحاسبة، ولا للمطالبة بها»، في محاولة للقضاء على الحراك نهائياً.
وإذا كان المشهد الأول للقاء المتظاهرين/ات مع القوى الأمنية بدأ مع الورود التي قدمها شبان وصبايا من المشاركين في التظاهرة للقوى الأمنية، فإن الورود عينها تحولت وبعد نحو ساعة على بداية التظاهرة إلى خراطيم مياه بأقصى قوة ضغطها وقنابل مسيلة للدموع وحجارة بأحجام مختلفة. واستمر الأمر على هذا المنوال إلى منتصف الليل حيث طوقت فرقة مكافحة الشغب ساحة الشهداء من ثلاث جهات لتحاصر من تبقى من الناشطين للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. وهناك تم اعتقال ناشطين جدد من بينهم مؤسس حملة «طلعت ريحتكم» عماد بزي. وأدى الهجوم على ساحة الشهداء إلى إخلائها بالقوة من المتظاهرين بعد منتصف الليل بثلاثين دقيقة.
بداية، لم تكن الحواجز الثلاثة التي أقفلت بها القوى الأمنية شارع بلدية بيروت لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة النجمة تشي بكل ذلك القمع الذي استخدمته السلطة أمس وأدى إلى اعتقال عشرات الناشطين والناشطات حتى منتصف الليل، بينهم 16 موقوفاً في ثكنة الحلو وحدها، من بينهم أربع سيدات وقاصر، وإصابة نحو مئة متظاهر ومتظاهرة بعضهم إصاباتهم خطرة، فيما تم إسعاف العشرات في الميدان، عدا مئات عانوا من الاختناق بالقنابل المسيلة بالدموع والقنابل الدخانية. وعند الساعة الثانية عشرة ليلاً تمت إحالة الموقوفين، وبناء على إشارة مفوض الحكومة القاضي صقر صقر، إلى المحكمة العسكرية، وتم نقل السيدات الأربع إلى فصيلة البرج. وعليه، سيمثل الموقوفون أمام قاضي التحقيق العسكري وسيتولى محامو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين متابعة ملفاتهم بدءاً من صباح اليوم.
ولكن القمع الذي ترجمته القوى الأمنية باعتقال المتظاهرين والمتظاهرات وقذفهم بعشرات القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية، استكملته في المخافر التي اقتيد إليها الموقوفون حيث منع المحامون من مقابلة المعتقلين، في تجاوز صارخ لإصول المحاكمات الجزائية على مدى أكثر من ثلاث ساعات على توقيفهم، حيث سمح عند الساعة 11 قبل منتصف الليل بالدخول إلى مخفر ثكنة الحلو.
بدأ المواطنون بالوصول إلى امام مبنى جريدة «النهار» منذ الخامسة والربع عصر أمس، حيث كانت القوى الأمنية قد أقفلت مدخل شارع بلدية بيروت نحو ساحة النجمة التي وضعها المتظاهرون هدفاً لمسيرة الأمس للمطالبة بإيجاد حل مستدام لأزمة النفايات ومحاسبة المسؤولين عن الفساد وإجراء انتخابات نيابية وتحقيق دولة العدالة والمساواة.
وبعد توزيع الورود على القوى الأمنية مع هتافات «سلمية سلمية» حرصاً على تكريس طابع الحراك، اعتلى بعض الشبان الحواجز الإسمنتية التي تتصدر حاجزين من الحديد والأسلاك الشائكة، فقامت القوى الامنية بتوقيف أربعة شبان من بينهم وارف سليمان وبيار حشاش، خلال إعلان بيان منظمي الحراك الذي يتضمن مطالبهم.
ومع اعتقال أربعة متظاهرين «هاج» المشاركون في التظاهرة و «ماجوا» مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين فوراً، مع هتافات تدعو إلى دخول ساحة النجمة بعدما أنقضت مدة ربع الساعة التي حددها المنظمون للقوى الأمنية لفتح شارع بلدية بيروت.
ومع الحماسة التي رافقت محاولة اختراق الحواجز الثلاثة التي ثبتتها القوى الأمنية قام شبان وشابات بسحب بعض الحواجز الحديدية والأسلاك الشائكة تمهيداً لفتح الطريق. وعلى الفور فتحت القوى الأمنية خراطيم المياه بداية من فوق الموجودين بشكل عشوائي طال جميع الموجودين، ولم يقتصر على الذين كانوا يحاولون اختراق الحواجز.
وفي تصعيد ملحوظ، وكأن القرار بقمع التظاهرة قد اتخذ بطريقة لا عودة عنها، بدأت القوى الأمنية بقذف المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع، وبكل الاتجاهات، وهو ما تسبب بتفريق الموجودين بداية نظراً لحالات الاختناق التي اصابت المئات. وحالت فرقة إضافية من مكافحة الشغب، طوقت المتظاهرين من خلف مبنى «النهار» لجهة البحر، دون ابتعاد الهاربين من دخان القنابل وغازاتها عن ساحة المواجهات، وهو ما أدى إلى فرارهم في قلب حفريات الآثار الموجودة في المكان.
وما ان هدأت الجولة الأولى من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع وتشتت الدخان من الساحة حتى عاد المتظاهرون ضمن مجموعات تهتف بـ «إسقاط النظام» و «بدنا نحاسب» و «طلعت ريحتكم» و «28 ومية.. كلهم حرامية».. و «الشعب يريد إسقاط النظام». ولدى تجمع القادمين من الاتجاهات الأربعة إلى الساحة أمام مبنى النهار بدأت الجولة الثانية من القذف بالقنابل المسيلة للدموع وبخراطيم المياه. وأدت كل جولة قمع جديدة إلى تشتيت المتظاهرين، فيما حاولت مجموعات التكتل والتعاضد الصمود في وجه خراطيم المياه التي وجهت على الأجزاء العليا من أجساد المشاركين مثلها مثل القنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى إصابات مباشرة وجروح بين المتظاهرين. وعمدت القوى الأمنية أيضاً إلى التعرض بالضرب لبعض المتظاهرين.
وبعد الجولة الأولى العنيفة من القذائف المسيلة للدموع وخراطيم المياه ووقوع عشرات الأصابات ما بين اختناق وجروح ورضوض، قام بعض المتظاهرين برشق القوى الأمنية بالحجارة.
وإثر القمع الذي مارسته القوى الأمنية أصدرت حملات ومجموعات من الحراك بيانات أدانت فيها الممارسات القمعية مطالبة بالإفراج الفوري عن المعتقلين وبتحقيق مطالب الحراك كافة، مشيرة إلى قيام القوى الأمنية باعتقال بعض الجرحى من المستشفيات، وبعدما نفت قوى الامن ذلك اكد شقيق احد الجرحى ان عناصر امنية اقتادت شقيقه المصاب من المستشفى ولم يعد يعرف عنه شيئا.
وأصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً اشارت فيه إلى أن «بعض المشاغبين استفزوا عناصر مكافحة الشغب وحاولوا إزالة العوائق الحديدية والإسمنتية وقطع الشريط الشائك وقاموا برشقهم بالحجارة وعبوات المياه والمواد الصلبة». وقالت المديرية في بيانها إن عناصر القوى الأمنية «لم يبادروا بأي ردة فعل تجاه المشاغبين» (كما أسمتهم).
وردت المديرية ممارسات القوى الأمنية إلى ممارسات المشاركين في التظاهرة مشيرة إلى « أنه بعد التعرض المباشر للعناصر الأمنية وسقوط إصابات بين صفوفهم وللحيلولة دون خرق صفوف مكافحة الشغب… اضطرت القوى الأمنية إلى استعمال وسائل مكافحة الشغب من خراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع»، وهي وسائل وصفتها المديرية بأنها «تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية حفاظاً على السلامة العامة ومنعاً من تفاقم الأمور»، وفق المديرية.
(السفير)