مقالات مختارة

هل يعود أكراد سوريا إلى كنف الدولة؟ إيلي حنا

 

الأكراد يقفون عند مفترق طرق. المواقف الرمادية ما عادت مجدية. زحمة الأجواء السورية بطائرات من كل نوع وصنف فرضت على الجميع وضع النقاط على الحروف. المعلومات المتوافرة تفيد بأن أكراد الشمال السوري يخوضون غمار مفاوضات مع النظام لتشكيل تحالف برّي برعاية روسية. المحادثات بلغت مراحل متقدمة، فهل تصل إلى خواتيمها المأمولة؟

عاد الملف الكردي ليطفو على السطح مجدداً. حراك برعاية روسية يستهدف العودة إلى كنف دمشق. الفكرة تشكيل تحالف ثلاثي لمحاربة «داعش» بريّاً، قد يشكل رافداً جديداً يعزز وضع النظام ويوسّع المساحات التي تقع تحت سيطرته، ويطرح تحدياً جديداً للجبهة المدعومة من الأميركيين الذين باتوا يتحسبون لمحاولات سحب البساط من تحت أقدامهم.

لم تُظهر الحرب السورية رابحاً حقيقياً حتى اليوم سوى الأكراد. سريعاً استفاد حزبهم الأكبر (حزب الاتحاد الديمقراطي) من انسحاب السلطات السورية من مناطق وجودهم ضمن اتفاق بين الطرفين، ليباشروا بناء معالم سيطرتهم في الجزيرة السورية، وصولاً إلى أرياف حلب.

«حياد إيجابي» مارسه الأكراد بداية الحرب. قاتلوا حيث أرادوا واستفادوا من دعم الجيش السوري في مناطق معيّنة (رأس العين مثلاً في تشرين الاول 2012)، وصَنّفوا أحزابهم على أنها معارضة، فكانت معظمها (ذات الحضور الضعيف) تحت مظلّة رئيس إقليم «كردستان العراق» مسعود البرزاني، فيما حزب «الاتحاد» وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب»، المرتبطة بـ «حزب العمال الكردستاني»، منفتحون على الجميع، حتى أنقرة، في مرحلة من المراحل.

مع ظهور «داعش» وتحوّل مناطق الأكراد لجبهات مفتوحة مع التنظيم الوليد، نسجت «الوحدات» خيوط علاقات متشابكة حسب مناطق وجودها وتبعاً للحاجة. في مدينة الحسكة وريفها، نسّقت مع الجيش السوري، أما في حلب وريفها ثم في ريف الرقة فتحالفت مع تنظيمات محسوبة على «الجيش الحر» كـ«لواء ثوار الرقة»، حتى أنها وقّعت اتفاقية مع «الجبهة الشامية» (المقرّبة من أنقرة) في حلب لتنسيق «الجهود الأمنية والقضائية» (شباط الماضي).

مع مرور سنوات الحرب، كانت كل الظروف مواتية للأكراد. جيش مدرّب ومطعّم بقيادات وعناصر خبرت القتال في جبال قنديل التركية، وسيطرت على حقول نفطية ومحالج قطن وسهول قمح…

دولياً، أسهم إنشاء «التحالف ضد داعش» بولادة علاقة متينة مع واشنطن وباريس (زار وفد سياسي وعسكري قصر الإليزيه) وغيرها من الدول.

لكن اليوم، تعيش «الوحدات» حالة مغايرة عمّا كانت عليه قبل شهور؛ فقبل سنة كانت طائرات «التحالف الأميركي» تُعلن عن نفسها ذراعاً جوياً لها. حينها، فُكّ الحصار عن كوباني (عين العرب) ومَدّ الأكراد «شريطهم» الحدودي مع تركيا ليصل إلى حدود جرابلس غرباً، وتوسّع جنوباً في أرياف الحسكة وحلب والرقة. لكن منذ سيطرة الأكراد على مدينة تل أبيض الحدودية في ريف الرقة ووصولهم إلى مدينة عين عيسى (نحو 45 كلم عن مدينة الرقة)، توقف التقدّم النوعي، ولم يعد لهم أي دور أساسي في المعارك الفاصلة في ريف حلب الشمالي التي تفصلهم عن عفرين في أقصى الغرب.

ثم جاء الاتفاق الأميركي ــ التركي حول استخدام قاعدة انجرليك نهاية تموز الماضي ودخول أنقرة على خط استهداف «داعش» في سوريا، لتكون الأولوية للمعارك بين «داعش» والفصائل المدعومة غربياً وتركياً في ريف حلب.

«الانكفاء» الكردي عن تلك المنطقة صاحبته محاولة «داعش» السيطرة على مدينة الحسكة، ما أدّى إلى تعاون مع الجيش السوري والقوات الرديفة لصدّ الهجوم الواسع الذي استهدف المدينة بكافة أحيائها المختلطة. ثمّ جاء مؤتمر «حزب الاتحاد الديمقراطي» قبل أسبوعين ليؤسس لـ«سورية الحزب» وقطع مع أي أدبيات عن التقسيم والفدرلة والحكم الذاتي.

«مظلة» موسكو

اليوم، مع التدخّل الروسي الجديد والعلاقة المتقدمة بين موسكو و«الاتحاد الديمقراطي»، تدفع «المظلة الجوية الروسية» باتجاه تفعيل التعاون بين الأكراد والجيش السوري.

لكن، في المقابل، تعمل واشنطن على إعادة تفعيل ربط طائراتها بالقوة الكردية برّاً، وكانت آخر المؤشرات ما كشف أول من أمس عن تدابير اتخذها «البنتاغون» لدعم آلاف المقاتلين العرب والأكراد في إطار عملية واسعة للضغط على الرقة ومحيطها وإغلاق جزء من الحدود السورية التركية لقطع خطوط إمداد «داعش».

المؤشرات اليوم لا تساعد الأكراد لينسجوا خيطان تحالفاتهم على ما يقرّره قادتهم. فالمعركة المحتدمة لا تترك مجالاً لتوزيع ضباط عسكريين في «غرفة عمليات أربيل» (غرفة العمليات المشتركة لقوات التحالف الدولي)، وآخرين في مدينة القامشلي للتنسيق مع الجيش السوري وحلفائه.

مفترق طرق سيوضع أمام أكراد سوريا، رغم محاولاتهم المستمرة وتأكيدهم العمل «مع من يقاتل داعش»، أيّاً يكن الطرف.

زحمة الأجواء السورية، بمختلف أنواع الطائرات، لا تعني أنّها جميعها مستعدة لتقديم جوائز مجانية للطرف المقاتل على الأرض. الصراع الروسي ــ الغربي لا يحتمل حلفاء رماديين، وإن كانت القيادات الكردية السورية ستستخدم «ميزة» اختلافها العرقي والثقافي وتشابك حضورها في تركيا والعراق وايران وسوريا، لتقول إنّها جسم غير قابل للتطويع.

في هذا السياق، لم يكن تكرار المسؤولين الروس لشرعية قتال «وحدات حماية الشعب» الكردية لتنظيم «داعش» مجرد كلام إعلامي، أو تهرّب روسي نحو الاعتراف بتشكيل مسلح معارض يقاتل الإرهاب إضافة إلى الجيش السوري.

يأتي ذلك بعد تصريحات الرئيس المشترك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي»، صالح مسلم، بأنّه «سنقاتل إلى جانب كل من يحارب داعش». مسلم، في مقابلة مع موقع «المونيتور»، أكّد أنّ «علاقة أكراد سوريا بالروس توطدت على مدى السنوات الثلاث الماضية».

وفد كردي زار دمشق

وعلمت «الأخبار» أن وفداً كردية رفيع المستوى زار دمشق للتباحث في المشاركة في عمليات برية مشتركة مع الجيش السوري بغطاء جوي روسي. المصادر أكدت أن المداولات بين ممثلين عن الجيش و«وحدات حماية الشعب» – التي يطّلع عليها الرّوس – تهدف إلى إشراك الاكراد في العمليات شرق البلاد.

معلومات «الأخبار» تفيد بأنّ الاتفاق قطع شوطاً كبيراً، وتوّج باتفاق مبدئي لتعاون عسكري. ورغم تسريب أنّ هذا «التعاون» يستهدف الحدود السورية ــ العراقية خصوصاً في مدينتي الهول والشدادي وقد يمتد ليشمل مناطق أخرى، فإن مصادر مواكبة أكدت أن مسرح العمليات لم يكن على جدول الأعمال. وأكدت المصادر أن وفداً كردياً يزور اللاذقية لمناقشة الضباط الروس شكل التعاون. وعلمت «الأخبار» أنّ الروس، بالتنسيق مع الدولة السورية، يدفعون نحو تشكيل لجنة مشتركة من الأطراف الثلاثة تحدّد مسرح العمليات والاولويات في مناطق الوجود المشترك.

وبحسب المعلومات المتوافرة، يؤكد الطرف الروسي أنّه يعمل بالتنسيق مع الجيش السوري وكل طرف سيتعاون معه في قتال «الإرهابيين» يكون تحت مظلة الجيش.

في المقابل، تبدي دمشق انفتاحاً تجاه الخطوط الكردية المستجدة، رغم النكسات السابقة، إذ أظهرت القيادات الكردية مرونة كبيرة في مدينة الحسكة ممثلة بانسحابهم من بعض شوارع المدينة بعد انتشارهم فيها عقب طرد «داعش» والانسحاب أيضاً من بعض المراكز المستحدثة في بعض المدارس وتخفيف من الانتشار العسكري، وفتح طريق رئيسي للجيش يسهّل الوصول إلى فوج كوكب (12 كلم شرق المدينة).

وكان القائد العام لـ«وحدات حماية الشعب»، سيبان حمو، قد طالب موسكو، في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» باللغة التركية (التابع لوكالة الأنباء الروسية الرسمية) بداية الشهر الجاري، «بتقديم السلاح لهم، وتنسيق تحركاتهم معاً ضد تنظيم داعش»، ودعا إلى قصف مواقع «جبهة النصرة» أيضاً، وعدم الاكتفاء بقصف مواقع «داعش».

وتفيد مصادر «الأخبار» بأنّ «الوحدات» طلبوا من الروس مساعدات عسكرية، كذلك استطلع خبراء عسكريون روس الوضع الميداني في مدينتي الحسكة والقامشلي.

«إشارة» الشيخ مقصود

على المقلب الحلبي، وجّه الأكراد صفعة ميدانية إلى المعارضة «المعتدلة» بتنويعاتها «القاعدية» والمحلية بالسيطرة الكاملة على حيّ الشيخ مقصود وطرد مسلحي «النصرة» و«أحرار الشام» وفصائل أخرى محسوبة على الأتراك، ما أدى إلى قطع خط إمداد المسلحين بين الريف الشمالي والمدينة، وقطع أيضاً خط إمداد لـ«جبهة النصرة» شرقي الحيّ، بعد السيطرة على طريق عسكري يستخدمه المسلحون في محيط الحيّ، أي الطريق الواصل بين الجندول وسكن الشقيف.

وفُتح معبر بين الحيّ والأحياء الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية تشرف عليها قوات كردية ورسمية سورية كلّ من جهتها. وتروي مصادر متابعة أنّ الجهات الرسمية السورية وبعض الحلفاء على تواصل مع الأكراد منذ شهور، وما حدث في الحيّ جزء من تداعيات هذا “التواصل”.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى