«الضربة الروسية»: الفصائل المسلحة بانتظار توجيهات المموّلين عبد الله سليمان علي
لم تشعر الفصائل المسلحة في سوريا، على اختلاف تسليحها وانتمائها وارتباطها، بالعجز مثلما شعرت به الأسبوع الماضي، مع بدء طائرات «السوخوي» الروسية شنّ أولى غاراتها الجوية ضد مقارّها ومستودعاتها وخطوط إمدادها، من دون أن تملك القدرة على القيام بأي رد فعل تجاهها.
فقد فوجئت الفصائل بالضربة الأولى التي شنتها الطائرات الروسية، الأربعاء الماضي، ليس من باب توقيتها فحسب، بل من باب نوعية الأهداف التي شملتها، والتي تضمنت رسالة واضحة بأنه لا حصانة لأي فصيل مسلح من الغارات، أياً تكن تبعيته أو الدول الداعمة له.
وكان مما له دلالته البالغة أن الفصائل المعروفة بتبعيتها إلى «غرفة عمليات ألموك»، التي تقودها الولايات المتحدة، كانت على رأس قائمة الاستهداف الروسي، مثل «تجمع العزة» في ريف حماه، الأمر الذي شكّل صدمة كبيرة لقادة بعض الفصائل ممن اعتقدوا للوهلة الأولى، برغم تسريب الأنباء حول قرب التدخل الروسي، أن فصائلهم ستكون بمنأى عن أي خطر. وحتى عندما حصلت الغارة الأولى، وتبينت حقيقة أهدافها، ظن هؤلاء أن الأمر قد يكون متعلقاً بخطأ استخباراتي وقع به الروس، ولم يصدقوا ما يجري إلا بعد أن تكررت الغارات أكثر من مرة على المناطق نفسها.
في البداية، غلبت ردود الأفعال الغريزية، وحاولت كل مجموعة أن تنجو بنفسها، فلم يكن ثمة وقت للتفكير في الأبعاد والتداعيات وطرق مواجهة ما يجري. واقتصر الهمّ على النجاة بالنفس وحماية ما يمكن حمايته من أفراد وأسلحة، كما قال لـ «السفير» مصدر مقرب من «تجمع العزة»، الذي تسببت له الغارات الروسية الأولى بأضرار جسيمة، من غير الواضح ما إذا كان قادراً على تجاوزها.
بعد ذلك حاولت بعض الفصائل، وعلى رأسها الفصائل الكبيرة مثل «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، أن تلجأ إلى خطة الطوارئ التي وضعتها سابقاً للاحتماء من غارات «التحالف الدولي» التي كانت تستهدفها بين حين وآخر، ليتبين لها أن طبيعة الغارات الروسية وكثافتها ونوعية الصواريخ والقنابل المستخدمة فيها وقدراتها التدميرية الهائلة، لا تجدي معها بنود هذه الخطة، وأن الحدث الجلل يتطلب إجراءات أكثر عمقاً، وهو ما يعكف قادة هذه الفصائل، حالياً، على دراسته، ومحاولة الوصول إلى حلول ناجعة تجاهه.
ولم تكن النجاة ومحاولة حماية المقار ومستودعات الأسلحة والآليات العسكرية، الهمّ الأكبر الذي شغل بال قادة الفصائل بعد انحسار تأثير الصدمة الأولى، وعودة التوازن النفسي إليهم. فقد انصرف تفكيرهم إلى مسألة أشد خطورة، وهي كيفية مواجهة الغارات الجوية، وما الأدوات التي بإمكانهم استخدامها للرد على الضربات الروسية، لا سيما أنه لم يكن من الصعب أن يكتشفوا عدم امتلاكهم لأي أسلحة أو صواريخ من شأنها «الإثخان» بالروس، بل حتى المضادات الجوية المتواضعة التي كانت تنجح أحياناً في إسقاط طائرات للجيش السوري، بدت كأنها ألعاب نارية في مواجهة طائرات «السوخوي» الحديثة، التي تطير بسرعة كبيرة وعلى مسافات مرتفعة.
وما زاد الطين بلّة، أن خطوة الروس بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، نقلت الصراع إلى آفاق إقليمية ودولية لا تملك فيها هذه الفصائل أي وسيلة للتأثير في مسار الأحداث وتطوراتها. ويعيش هؤلاء، حالياً، فترة من الترقب، بانتظار ما ستنقشع عنه موجة الردود المنتقدة التي أطلقتها بعض الدول ضد التدخل الروسي واتهامه بتحييد «داعش» من جهة، واستهداف «المعارضة» من جهة ثانية، وعما إذا كانت هذه الانتقادات ستترجم إلى موقف عملي أم ستبقى في إطار الرد السياسي النظري.
وفي هذا السياق، علمت «السفير» أن الحرارة عادت إلى خطوط الاتصال بين بعض قادة الفصائل وبين ضباط الارتباط التابعين إلى أجهزة استخبارات بعض الدول الداعمة لهم. وأكد لـ «السفير» ناشط يعمل لمصلحة «أحرار الشام» أن فصائل عدة أرسلت طلبات رسمية تناشد فيها تزويدها بسلاح نوعي قادر على تعديل ميزان القوى، في إشارة إلى صواريخ مضادة للطائرات قادرة على مواجهة الطائرات الروسية، رغم علم هذه الفصائل أن تقديم مثل هذا السلاح يحتاج إلى غطاء قد لا يكون بمقدور أي دولة توفيره، باستثناء الولايات المتحدة التي تَحْكُمُ علاقتَها مع الروس شبكةٌ معقدةٌ من الخلافات والمصالح تنتشر على مساحة العالم، ولا يكفي حدوث تطور نسبي في منطقة ما لتغيير قواعد اللعبة من أجله.
ولكن قد يكون الأهم، هو تقديم بعض فصائل «الجيش الحر» طلباً إلى «غرفة عمليات ألموك» من أجل إعادة تفعيل نشاطها من جديد، بحجة المستجدات المتمثلة بالتدخل الروسي وضرورة مواجهة أخطاره. وكانت «ألموك» قد أوقفت دعم فصائل «الجبهة الجنوبية» قبل أسابيع عدة بسبب فشلها في «عاصفة الجنوب».
وبحسب الإعلامي علي البستاني، الذي يعمل بشكل مستقل، فقد ركزت الفصائل في طلبها على وجوب عدم التمييز في تقديم الدعم بين فصائل إسلامية وأخرى غير إسلامية في هذه المرحلة، لأن الخطر يشمل الجميع، ومواجهته تتطلب توحيد جهود الجميع. وأكد البستاني أن بعض الدول، وعلى رأسها السعودية، لا تمانع بإعادة نشاط «غرفة عمليات ألموك» واستئناف تمويل وتسليح بعض الفصائل، لكنها تشترط قبل ذلك أن يصار إلى إعادة هيكلة «الغرفة» نفسها، وإعادة صياغة ميثاقها ونظامها الداخلي، مشيراً إلى أن السعودية تريد أن يكون تمثيل الدول ضمن الغرفة متناسب مع حجمها ودورها التمويلي، كما أنها تصر على أن يصار إلى إجراء تحقيق جدي حول أسباب فشل «عاصفة الجنوب» والفصائل المسؤولة عنه، ليتم استبعادها من أي دعم جديد. وأكد البستاني أن الشائعات التي انتشرت قبل يومين حول قرار «ألموك» بالعودة إلى تمويل العمليات العسكرية «من دون ذكر شرط عدم التعامل مع جبهة النصرة وأحرار الشام» قد يكون تسريباً مقصوداً، الغاية منه جس نبض هذين الفصيلين لمعرفة مدى استعدادهما للانضمام إلى «غرفة ألموك» والتعاون معها لمواجهة ما يفرضه التدخل الروسي من تحديات.
ومن غير الواضح، ما إذا كانت بعض التسريبات الإعلامية حول تخطيط «دول خليجية» للتدخل العسكري في سوريا رداً على التدخل الروسي، أو حول موافقة الرئيس الأميركي باراك أوباما على إعطاء ذخيرة وربما سلاح إلى «المعارضة السورية»، يأتي في سياق طمأنة الفصائل المسلحة السورية فقط، ريثما تتكشف أبعاد العاصفة الروسية، أم أنه يعكس بالفعل استجابة للمطالب التي تقدمت بها.
(السفير)