من يرفع الهاتف أولا: سمدار بيري
منذ خمسة أيام يدور في الشبكات الاجتماعية شريط تظهر فيه شابة اسرائيلية يهودية، مغطاة الرأس بحجاب أبيض، تتجول في أزقة البلدة القديمة في القدس وتشتم «محمد خنزير». سيماء وجهها واضحة تماما. جنود الجيش الاسرائيلي يبعدونها، ومسنة فلسطينية تطاردها صارخة وتطالب بمعاقبتها. أحد ما من السعودية حول لي الشريط كي يبرر قتل الزوجين هينكن. وحسب المراسلات، فقد كانت هذه العملية ثأرا مخططا والقتلة «رحموا» الاطفال الاربعة في السيارة ـ «دليل» على مدى انسانية الفلسطينيين.
عندنا ايضا تدور أشرطة رعب. يمكن الجدال إذا كانت اندلعت أم لا انتفاضة ثالثة. الواضح هو أننا عالقون عميقا في دائرة الكراهية ـ العنف ـ الثأر. لا تنسوا أنه قبل ثلاثة أسابيع كشف وزير الدفاع يعلون النقاب عن أن اسرائيل تعرف من هم حارقو ابناء عائلة دوابشة من قرية دوما. الاب، الام والطفل الرضيع ماتوا بالالام، واليتيم الصغير احمد ينزل في مستشفى شيبا. اعتقالات؟ احد ابناء العائلة الذي كان شاهد عيان على الحدث الرهيب قدم وصفا مفصلا عن شابين القيا الزجاجات الحارقة وحاولا مطاردته. في الجانب الاسرائيلي يصرون على أن الادلة، حتى لو كانت تعرف تفاصيل أكثر بكثير مما خرج إلى وسائل الإعلام، لن تكون مقبولة في المحكمة.
لا يهم ما يعرف او يفكر الواحد عن الاخر، فان نتنياهو وابو مازن ملزمان بان يلتقيا ثنائيا، دون وسطاء. وفي صالح الامر ليس مناسبا ادخال السيسي إلى الصورة (الذي يعيق ارسال السفير المصري الجديد إلى تل أبيب) او الملك عبدالله (الذي لا يرد على اتصالات نتنياهو الهاتفية) او بان كي مون، الامين العام للامم المتحدة. فمن سيرفع الهاتف أولا؟ نتنياهو أقوى، وهو الذي دعا ابو مازن إلى لقائه «بدون شروط مسبقة». كما أنه القى بملاحظة تفيد انه مستعد حتى لاكل الفلافل في رام الله.
انسوا رام الله. فالمخابرات لن تسمح لنتنياهو بالفلافل الفلسطيني. عشرين دقيقة سفر من المكتب إلى المقاطعة هي كابوس عملياتي. ففي مدى الثقة السائدة الان بين الطرفين لا يمكن لاحد أن يضمن لقاء سريا. وهاكم المتاهة: للطرفين يوجد الكثير جدا مما يخسرانه إذا لم يؤديا إلى التهدئة، وابو مازن لا يمكنه أن يأتي إلى اللقاء كي يعود بخفي حنين. وعود نتنياهو يمكنه أن يقولها عن ظهر قلب وهو في نوم عميق. ومن أجل لقاء علني ينبغي الاعداد المسبق للنتائج. ابو مازن لا يمكنه أن يسمح لنفسه بان يعود بدون «رزمة».
في لقاء مغلق عقد بعيدا عن حينا سمعنا، مجموعة كبيرة من الاسرائيليين، ثلاثة مسؤولين فلسطينيين يهاجمون ابو مازن بتعابير يصعب تصورها حتى في أكثر الاخيلة انفلاتا. فعن تمسكه بكرسيه، عن عدم قول الحقيقة، عن استغلال مكانته، وبالاساس عن الفساد. وعندها، يبقى العالم كما كان. الاسرائيليون انتقلوا لانتقاد نتنياهو. وحسب شهادة خبير، يتصرف نتنياهو كمن يخاف ان يتلقى رصاصة في الرأس، مثل رابين، إذا ما تبنى خطوة سياسية شجاعة وعاد إلى الالتزام بالدولتين للشعبين.
ليس لعباس، بالضبط مثلما ليس لنتنياهو، خليفة او بديل. فهما يلعبان باوراق مفتوحة. وكلاهما معنيان في نهاية النهار بالحفاظ على الوضع الراهن، بتعزيز الاقتصاد وبالبقاء في الحكم. لا توجد اسرار كتيمة في هذه القصة. كلاهما يعرفان بانه مع كل الابتكارات التي سيجدها المستشارون لهما، لن يكون حل حقيقي وكامل يصمد في المناطق دون ترسيم حدود على حساب المستوطنات ودون علاج جذري لمكانة القدس. عباس يريد تقسيم القدس، نتنياهو لا يريد ولا يستطيع. ومع ذلك على كليهما أن يحذرا من وضع يقود فيه المتطرفون في الحرم المنطقة إلى حرب دينية رهيبة.
في كل الاحوال، يجب في هذه اللحظة وقف سلسلة الإرهاب المتدحرجة وتخفيض اللهيب. هذا ليس الوقت لاجراء الحساب من هو المحق، من هو المحرض ومن هو الذي يقول الحقيقة. أبو مازن لن يسمح لنفسه بالغاء اتفاقات اوسلو، التي تحفظ له كرسيه، كي تواصل اسرائيل منع الانجراف نحو حماس في المناطق. من جهة اخرى، فانه يسعى بالتأكيد إلى خلق الاضطراب. فلم نسمع منه شجبا، ولم تصدر عن المقاطعة رسائل تهدئة. هذا بالضبط السبب الذي يدعو نتنياهو لان يبتلع، يرفع الهاتف ويخلق لقاء.
يديعوت