نتنياهو يبحث عن طريق:عاموس هرئيل
جلسة المجلس الوزاري المصغر أمس كانت الثانية في نوعها للتشاور الأمني منذ أن عاد بنيامين نتنياهو من الأمم المتحدة في نيويورك. في الحالتين لم يكن متوقعا وجود بشائر كبيرة. القيادة الاسرائيلية ستستمر في اطلاق التصريحات المصممة في مواجهة الإرهاب الفلسطيني على أمل أن تخفف من غضب المستوطنين المتزايد على خلفية العمليات الاخيرة. ولكن الاجراءات الاساسية التي تقرر اتخاذها ومنها الاعتقال الاداري وهدم منازل المخربين هي بضاعة قديمة يعود نتنياهو ويقوم بتسويقها للجمهور.
لا توجد هنا تحولات كبيرة. فرئيس الحكومة يأمل أن يكون الرد الحالي كافيا ـ تعزيز القوات، الاعتقالات، جمع المعلومات في التحقيق، وقد يكون ايضا تعزيز التنسيق الامني مع الاجهزة الأمنية الفلسطينية ـ للمساهمة في تهدئة الوضع تدريجيا. إن هدم منزل المخرب في الضفة الغربية مثلا هو أمر يعود نتنياهو للتلويح به كل بضعة أشهر منذ قتل باروخ مزراحي بقرب الخليل منذ سنة ونصف. إن حقيقة اختلاف خبراء الأمن حول نجاعة هذا الاجراء (هناك لجنة رسمية في الجيش الاسرائيلي قامت بالغاء هذه السياسة في الضفة في 2005)، ورئيس الحكومة لا يذكر ذلك.
يبدو أن نتنياهو يدرك أكثر من اسرائيل كاتس، الذي اقترح عشية العيد «عملية السور الواقي 2» ضد الإرهاب.
إن قتل الزوجين هنكن بالقرب من نابلس الذي تم الكشف عن منفذيه بسرعة من قبل «الشباك» هو الحدث النادر نسبيا كعملية إرهابية منظمة في الضفة. وقد تم اعتقال خمسة مشبوهين اعضاء في خلية لحماس. لكن اغلبية العمليات الفتاكة الاخرى ليست جزءا من بنية إرهابية منظمة بل شباب منفردون يخرجون لطعن أو دهس اسرائيليين أو رشق الحجارة على سيارات المستوطنين، حيث دافع ذلك يكمن في سببين: اتهام السلطة والحركة الإسلامية في اسرائيل لاسرائيل بأنها تعمل تغيير الوضع الراهن في الحرم (نفي نتنياهو لا يقنعهم)، والغضب بسبب قتل عائلة دوابشة في دوما قبل شهرين حيث أن منفذي هذا العمل لم يتم اعتقالهم بعد.
توجد للجيش الاسرائيلية حرية عمل واسعة في الضفة. فالشباك يعطيه اسم مطلوب في القصبة في نابلس أو في مستشفى رفيديا (كما حدث عند اعتقال أحد المطلوبين المشتبه بقتل الزوجين هنكن). حيث لم تكن صعوبة في اعتقاله خلال بضع ساعات. واذا كان وزير الاستخبارات كاتس يرى أوكار الإرهاب تعمل بدون عائق وبرعاية السلطة، فمن الاجدر أن يقرأ التقارير التي يحصل عليها. النتيجة الوحيدة للسور الواقي 2 ستكون تحطيم السلطة في الضفة الغربية، ولكن في حينه، وهذا ما لا يريده نتنياهو تماما، مشكوك فيه أن تنتهي موجة الإرهاب. الرد حسب رئيس الحكومة ورؤساء الاجهزة الأمنية يوجد الآن في تسريع وتوسيع السياسة القائمة وليس في تطويق المقاطعة في رام الله بالدبابات كما فعل اريئيل شارون في نيسان 2002.
عشية العيد اقترح ناحوم برنياع في «يديعوت احرونوت» أن يسمى الولد باسمه، انتفاضة ثالثة. فقد أشار برنياع وبحق إلى أن الحكومة تحاول منع ذلك لأن الاعتراف به يعني الاعتراف بالفشل في منح الأمن للمواطنين. ومن خلال نفس المنطق، امتنعت الدولة عن اعتبار الحرب في غزة في 2014 حرب بكل معنى الكلمة وصممت على تسميتها عملية الجرف الصامد (وبذلك وفرت على نفسها دفع التعويضات للمواطنين الذين تضرروا اقتصاديا من الحرب).
حينما نسمي الموجة الحالية انتفاضة فيجب علينا أن لا ننسى أن وسائل الإعلام (بالذات المعارضة لنتنياهو) قامت بمحاولة مشابهة عند حدوث التصعيد في السنوات الاخيرة. وتبين في حينه أنهم مخطئون.
كانت موجات إرهاب سابقة في شرقي القدس والضفة الغربية: خريف 2013 وصيف 2014 بسبب الحرب في غزة، وفي خريف 2014 على خلفية الصراعات في الحرم ـ جميعها انتهت في نهاية المطاف.
اذا التصقنا باحصائيات الجهاز الامني فقد قتل 14 اسرائيليا في 2014 في الضفة الغربية وداخل الخط الاخضر (دون أن يشمل ذلك قتلى الصواريخ من غزة) مقابل ثمانية قتلى في الاشهر التسعة الاخيرة من السنة الحالية. الفرق هو تراجع الشعور بالامن وزيادة واضحة في أحداث رشق الحجارة في الشوارع والعنف في القدس الذي يستمر منذ عام. ويجب أن نضيف على ذلك حالة الهستيريا في الشبكات الاجتماعية التي تؤثر على ردود السياسيين.
موجة الإرهاب في الاسبوع الاخير خطيرة ومقلقة بحد ذاتها. وحتى الآن الامر لا يشبه الانتفاضة بشكل تام لأن عدد المشاركين في المظاهرات في المدن لم يصل بعد إلى المئات أو الآلاف كما حدث في الانتفاضتين السابقتين. أحداث العنف لم تصل بعد إلى داخل الخط الاخضر، وحينما صُدمت القدس بقتل المصلين في البلدة القديمة، أقيمت في تل ابيب حفلات الروك ومظاهرة غير مسبوقة في حجمها من اجل حقوق الحيوان.
من الواجب رؤية تأثير الاحداث في القدس والضفة الغربية في ساحتين: عرب اسرائيل وقطاع غزة. حتى أمس ساد الهدوء النسبي في هاتين الساحتين، ولكن من الواضح أن استمرار العنف والقتلى (الفلسطينيون يتحدثون عن اربعة قتلى منهم المخربان اللذان نفذا الطعن في القدس وشابان قتلا في المظاهرات في الضفة)، سيؤثر على الوضع هناك ايضا. التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة مستمر، لكن مستواه يتغير من منطقة إلى منطقة، وفي اليومين الاخيرين أعادت اجهزة الأمن الفلسطينية ثمانية اسرائيليين ضلوا طريقهم ودخلوا إلى مناطق السلطة. وفي المقابل، هناك تراجع في استجابة الضباط الفلسطينيين لدعوات الجيش الاسرائيلي.
هناك عامل مقلق آخر في الموجة الحالية هو العنف الاسرائيلي. ففي النقاشات الأمنية الاخيرة أشار الجيش والشباك، بقلق، إلى ازدياد عمليات اليمين المتطرف والمستوطنين حيث يلحقون الضرر بالممتلكات الفلسطينية. وجزء من القوات الاسرائيلية المتواجدة في الضفة الغربية تعمل على تهدئة الوضع بدلا من صد جهودها في مطاردة خلايا المخربين.
هذا العنف يؤججه الغضب من اعمال القتل التي تستهدف الآباء والأبناء في السامرة والبلدة القديمة، وايضا التصريحات الغير مسؤولة من السياسيين. الادعاء حول غياب دعم قادة الجيش وتكبيل أيدي الجيش، لا أساس لها من الصحة. رئيس الاركان غادي آيزنكوت يعتقد أن لديه كل الوسائل المطلوبة لمواجهة العنف بالمستوى الحالي.
المستوطنون وممثلوهم السياسيون يطلبون أن يكون الرد أشد وأن يتم بناء أحياء وبؤر استيطانية جديدة. ويبدو أن نتنياهو لن يستجيب لهم بسبب ضغط المجتمع الدولي. في المقابل يقترح شق المزيد من الطرق الالتفافية. هذا تعويض سيحتاج وقت لتحقيقه وفيه اشكالية: السفر إلى اسرائيل يحول المسافرين إلى أهداف واضحة وأكيدة للمخربين الفلسطينيين الذين يضعون الكمائن على جانب الطرق.
هآرتس