معركة روسيا الداخلية حميدي العبدالله
شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف على أنّ المشاركة العسكرية الروسية الفاعلة مع الجيش السوري لمحاربة الإرهاب، ليست دفاعاً عن الشعب السوري أو الدولة السورية، بل هي دفاع عن الشعب الروسي. وفسّرا ما قصداه على هذا الصعيد بالقول إنّ جماعات إرهابية روسية تقاتل في سورية وتحوز على التدريب والقاعدة والملاذ، وعاجلاً أو آجلاً سوف تبدأ هذه الجماعات حربها داخل روسيا، وبالتالي ضرب هذه الجماعات في معاقلها استباقاً هو معركة داخلية روسية، أيّ أنّ أمن روسيا واستقرارها ووحدتها كافة مرتبط بقوة بقهر الإرهابيين الروس في سورية على وجه الخصوص.
ومعروف أنّ الطيران الروسي ركز ضرباته على معاقل للتنظيمات الإرهابية في ريف حماه وريف إدلب، وبديهي أنّ هذا لم يأت صدفة، ذلك أنّ الجماعات الإرهابية المنحدرة من المقاطعات الروسية لا تتواجد بكثافة في الرقة أو ريف تدمر الشرقي، بل تتواجد بصورة رئيسة في أرياف إدلب وحماه وحلب، وبديهي أنّ محاربة هذه الجماعات هي أولوية روسية.
قد تكون بعض الضربات الروسية ركزت على معاقل «داعش» الذي لا يقلّ خطورة عن تلك التنظيمات الإرهابية المستهدفة أساساً من قبل الطيران الروسي، وأيضاً ثمة غارات وضربات هدفها التمهيد لهجوم بري يقوم به الجيش السوري وحلفاؤه، لا سيما في المناطق التي تشكل معاقل للتنظيمات الإرهابية المدعومة من الغرب ودول المنطقة والتي تخشى خطرها روسيا أكثر من غيرها، لكن يظلّ الهدف الأساسي للضربات والغارات الروسية هو الجماعات الإرهابية المسلحة ذات الأصول الروسية لأنّ ذلك مرتبط بالأساس بأمن روسيا القومي.
بهذا المعنى فإنّ الدعوات الصادرة عن الحكومات الغربية وحكومات المنطقة التي تطلب من روسيا حصر ضرباتها بـ«داعش»، هي دعوات تتعارض مع الأساس الذي دفع روسيا لإرسال قواتها إلى سورية، والمشاركة في الحرب على الإرهاب.
وبهذا المعنى أيضاً فإنّ روسيا لن تستجيب لهذه النداءات لسببين رئيسين، السبب الأول، أنّ ذلك يتعارض مع أمنها القومي ومصالحها الحيوية، والسبب الثاني أنّ هذه الدعوات تتضمّن تواطؤاً مع الإرهاب وتقديم الدعم له، لا سيما أنّ «جبهة النصرة» وبعض التنظيمات الأخرى مصنّفة دولياً وحتى من قبل الحكومات الغربية بأنها تنظيمات إرهابية، فلماذا الحرص عليها والاعتراض على توجيه ضربات لها، إذا لم تكن هذه التنظيمات الإرهابية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الغربية، جزءاً سوف يتمّ اعتماده لاحقاً لضرب استقرار ووحدة روسيا وتعريض أمنها القومي للخطر على غرار ما حدث في الشيشان في عقد التسعينيات؟
(البناء)