معركة سورية والنموذج الكردي الأميركي عامر نعيم الياس
لا يمكن كسب الحرب أو حتى تحقيق نتائج ملموسة في الميدان إلا عبر الزجّ بقوات برية على الأرض. هذه قاعدةٌ ثابتة في العلوم العسكرية لا تُخفى على عارف فيها. وعليه قد يقول البعض في ضوء التأكيد الروسي وعلى أعلى المستويات بعدم وجود نية لإرسال قوات برية روسية إلى سورية، بأن مصير التحالف الروسي هو ذاته مصير تحالف أوباما الذي لم يستطع تحقيق إنجازات ملموسة في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، رغم مرور أكثر من عام على بدئها ومشاركة أكثر من 60 دولة في التحالف الأميركي، فضلاً عن 9000 آلاف غارة على مواقع داعش في سورية والعراق، فهل المقارنة بين تحالفَي أوباما وبوتين واقعية؟
وقبل يومين أوقف «البنتاغون» برنامج تدريب ما يسمّيه بالمعارضة المسلحة المعتدلة في سورية، بعد عام على انطلاق البرنامج بكلفة 500 مليون دولار، البرنامج الذي يمكن تسميته ببرنامج «الفرقة 30» أخفق بشكل تام في نشر قوى عميلة لواشنطن والغرب على الأرض في سورية خاصةً في مناطق الشمال المحاذية للحدود التركية، حتى أن الفشل وصل بالخطة إلى عدم التمكّن عند إرسال الدفعة الثانية من مقاتلي الفرقة، الأسبوع الماضي، من التقاط صور لمن درّبتهم واشنطن، حيث توجّهوا فوراً إلى مقار النصرة على الحدود السورية التركية وسلّموها أنفسهم وأسلحتهم من دون أي تمركز رمزي في منطقة ما. لم يستطع تحالف أوباما الاعتماد على تشكيلات مسلّحة على الأرض في المناطق غير الكردية في سورية ولذلك استمرّ تمدد «داعش»، لكن التحالف ذاته حقق إنجازات ملموسة على الأرض وفي غضون عام عندما اعتمد على ما يسمى «وحدات حماية الشعب الكردي» في المناطق ذات الغالبية الكردية في سورية، واستطاع عبر الغطاء الجوي الكثيف والاعتماد على قوة منظمة للأكراد على الأرض، ضمان اندفاعة غير مسبوقة لهم بدأت بـ»عين العرب» مروراً بـ»تل أبيض»، وكادت تصل إلى الرقة وعفرين استكمالاً للكيان الكردي الموعود، لولا وجود قرار أميركي حصري بلجم الاندفاعة الكردية وإدراك الأكراد عدم قدرتهم على الاستمرار في المواجهة في ظل غياب الغطاء الجوي لقوات تحالف أوباما.
إذاً نجح تحالف أوباما في سورية في ما يخص المنطقة ذات الغالبية الكردية وأخفق في المنطقة العربية منها المخترقة طائفياً وقبلياً إلى الحد الذي لا يسمح بالاعتماد على أي تشكيل فيها. وبالتالي نجد أنفسنا أمام وجهين لتحالف أوباما يوازنان بين الربح والخسارة، وهذا هو حال تحالف بوتين، في ما يتعلق بالربح فقط، أو ما يمكن أن نسمّيه «الحملة السورية». فالرئيس الروسي كان واضحاً في الحديث عن قتال الجيش السوري «لتنظيمات إرهابية»، وفي الأمم المتحدة أشار إلى أن القوات الكردية والجيش السوري هما القوتان الوحيدتان اللتان يمكن الاعتماد عليهما على الأرض، هنا يغمز الرئيس الروسي من قناة تحالف أوباما والأكراد ويحاول طرح السيناريو الروسي في سورية، إدراكاً منه بصعوبة استمالة الأكراد حالياً عن تحالفهم مع واشنطن في مشروع انفصالي عن سورية تتبلور ملامحه يوماً بعد يوم، وهو ما لا يؤيده الروس.
ستؤمن القوات الجوية الروسية بعد استكمال الخطة الموضوعة بضرب مقار الدعم اللوجستي ونقاطه للتنظيمات الإرهابية في سورية ومعسكرات التدريب وطرق الإمداد، الغطاء الجوي للجيش العربي السوري والقوات الرديفة للتقدم على الأرض وفق خطةٍ مشتركة ليس على الصعيد الثنائي بين الدولتين فقط، بل على صعيد تحالف 4+2 ، في مرحلة متقدّمة من عمل التحالف، الذي يبدو هو الآخر معنياً بتوحيد الجهود على جانبي الحدود السورية العراقية للقضاء على داعش الذي يسيطر على منطقة جغرافية تعادل ثلث مساحة العراق وحوالي نصف مساحة سورية. هنا يحضر الحديث عن استعانة العراق بالقوات الجوية الروسية في قصف داعش ليساهم أكثر في توضيح مدى توسّع ساحة العمل الروسي في العراق وسورية مشروطاً بطلبٍ رسمي من الحكومة العراقية التي يرأسها حيدر العبادي.
لا مجال للخسارة أمام موسكو، ولا مجال لبقاء الوضع على الأرض كما هو عليه، فالحرب الروسية في سورية هي للدفاع أولاً عن الأمن القومي الروسي قبل أمن الدولة السورية، هي حرب استباقية لا مجال للتهاون فيها واضحة المعالم ومحددة الأهداف، فيما تبقى القوة البرية الضاربة ممثلةً بالجيش السوري والحلفاء على أهبة الاستعداد لتنفيذ المرحلة الثانية من الحملة العسكرية الروسية على الإرهاب في سورية، وهي المرحلة الأهم والتي ستعكس التغيير الحقيقي والمرجو في قواعد اللعبة السورية.
(البناء)