ليس محصنا أبدا: يوسي ملمان
قبل ثلاث سنوات فقط كان رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن على سطح العالم. كان في مركز الاهتمام في الجمعية العمومية للامم المتحدة. وطلب من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. الجمعية العمومية، رغم معارضة إسرائيل واحتجاج وغضب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وافقت على منح فلسطين في الضفة الغربية والقدس وغزة مكانة دولة مراقبة .
عندما ألقى أبو مازن خطابه يوم الاربعاء أمام الجمعية العمومية حظي بالتصفيق المؤدب والكثير من التأييد، وشارك ايضا في مراسيم رفع العلم الفلسطيني إلى جانب أعلام الدول الاخرى على مدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك. لكن اهتمام المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، موجه لازمات اخرى في العالم: ظاهرة داعش، هجرة اللاجئين إلى اوروبا، الحرب في سوريا، الاحتلال المفاجيء لمدينة كوندوز في شمال افغانستان، الذي له تأثيرات اقليمية بعيدة المدى. رئيس الولايات المتحدة لم يذكر في خطابه المشكلة الفلسطينية.
لقد تراجعت المشكلة الفلسطينية في برنامج العالم اليومي. الفلسطينيون، قيادة وشعبا، على شفا اليأس. أمل أبو مازن في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود 1967 بواسطة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وبدعم العالم، تأخر. ليس صدفة أن اغلبية الفلسطينيين يعتقدون، حسب استطلاع الرأي العام الاخير، أن أبو مازن قد فشل وأن عليه الاستقالة من منصبه وحل السلطة. اليأس عميق لدى الفلسطينيين إلى درجة أن الكثيرين منهم لم يعودوا يؤمنوا بحل الدولتين للشعبين.
لم يبق لأبو مازن سوى التهديد بأن السلطة الفلسطينية تفحص امكانية عدم الالتزام باتفاقات اوسلو أو وقف التنسيق الامني مع إسرائيل المتواصل رغم أحداث الحرم وتصاعد اعمال الإرهاب في الضفة.
من يؤمن أن الصراع يمكن أن يكون منتصرا أو مهزوما، فان الفشل الفلسطيني سيكون في نظره انتصارا لرئيس الحكومة نتنياهو وحكومة اليمين. نتنياهو (ووزير الدفاع موشيه يعلون الذي لا يؤمن ايضا بفرص المفاوضات مع القيادة الفلسطينية) يستطيع المشي باعتزاز والقول: هل ترون؟ إن سياستي تحقق النتائج. هذه سياسة تدمج بين الاستمرار في دفع الضريبة الكلامية لفكرة الدولتين دون وجود نية حقيقية لتطبيقها. نظرته هي أنه يمكن الاستمرار في الحديث عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات بل والسفر إلى رام الله للقاء أبو مازن. لكن رئيس الحكومة يقول ذلك وهو يدرك أن أبو مازن لن يلتقي معه ولن يوافق على استئناف المفاوضات دون الحصول على ضمانات من المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة. هذه الضمانات يجب أن تشمل تعهد بأن الهدف النهائي هو اقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية واخلاء اغلبية المستوطنات، مقابل اتفاق سلام يكون مقرونا بترتيبات امنية. إن فرص تحقيق الاتفاق حسب هذه الصيغة، ضعيفة جدا.
يستطيع نتنياهو الهمس لنفسه بأن الكلاب تنبح والقافلة تسير. الفلسطينيون يصرخون. العالم يستنكر الاحتلال لكنه يتعايش معه، في الوقت الذي يستمر فيه بناء مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة. صحيح أن حركة بي.دي.اس تستمر في ازعاجنا واعاقة التصدير من المناطق ومن إسرائيل، ويفرضون مقاطعة هنا وهناك على إسرائيل، لكن في نهاية المطاف وضعنا ليس سيئا.
علاقات إسرائيل الخارجية لا تتضرر. العلاقات الاستخبارية للموساد والاستخبارات العسكرية و»الشباك» مع نظرائهم في العالم الغربي جيدة جدا والتصدير الامني يتسع.
لكن هذه النظرة ضيقة لثلاثة اعتبارات: الاعتبار الاول هو أن هناك تدفق عميق وهاديء، لكنه سيثير العاصفة في نهاية المطاف. فالعالم لن يسكت على الاحتلال وسياسة إسرائيل نحو الفلسطينيين في المناطق. إن الاشارة إلى منتوجات المستوطنات تحظى بالاتساع في دول الاتحاد الاوروبي، سواء بمبادرة من ممثلية الاتحاد أو من شركات ومنظمات واشخاص.
الدول الأكثر صداقة مع إسرائيل بدأت تُظهر عدم الرضى. بولندة مثلا التي هي الصديقة الثانية لإسرائيل بعد التشيك في الاتحاد الاوروبي، حدثت فيها مؤخرا أحداث في وارسو (أحدها كان خلال ماراثون وارسو حيث شارك عشرات الإسرائيليين) للاحتفال بمرور 25 سنة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. «بولندة تؤيد دائما قرارات الاتحاد الاوروبي، وفي داخل الاتحاد الاوروبي نحن الاكثر تأييدا لإسرائيل»، قالت د. باتريتسيا سسنل، مديرة مشروع الشرق الاوسط في المعهد البولندي للدراسات الدولية. «لكن لدينا ايضا علاقات جيدة مع الفلسطينيين. وكدولة احتُلت مدة 123 سنة، في القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين، نحن حساسون تجاه الأمم التي تطالب بالاستقلال».
وأضافت سسنل في لقاء مع صحافيين إسرائيليين في وارسو: «الحقيقة هي أن الحكومات في بولندة والجمهور مستاءون من تأييدنا المطلق لكم، دون حصولنا على مقابل. أنتم في إسرائيل تتعاملون معنا كشيء مفروغ منه، وهذا قد يتغير في يوم من الايام».
وماذا عن مصر؟ هنا ايضا تعاني القيادة الإسرائيلية من تصور خاطيء، أن لها حصانة. صحيح أن التعاون بين الدولتين أفضل من أي وقت مضى، ومصدر ذلك المصالح المشتركة للدولتين: الصراع المشترك ضد الإرهاب في سيناء وعداء مصر لحماس. لكن يجب علينا عدم الخطأ فيما يتعلق بالصديق الجديد، رئيس مصر الجنرال عبد الفتاح السيسي.
إن ثقته بنفسه تزداد. وقد عزز سلطته في القاهرة حيث هزم الاخوان المسلمين. وهو ينعش الاقتصاد المصري حيث اكتشفت آبار ضخمة للغاز. وخلال سنة قام بتوسيع قناة السويس. هذه الثقة بالنفس ستترجم إلى خطوات ومبادرات جديدة في السياسة الخارجية. إنه يقف إلى جانب روسيا، ويؤيد الرئيس السوري بشار الاسد. صحيح أن السيسي دعا دول عربية اخرى لاقامة علاقات مع إسرائيل ـ وحظي فورا بمباركة نتنياهو ـ لكنه ذكر في خطابه في الأمم المتحدة أن على إسرائيل استئناف المفاوضات من اجل حل الصراع مع الفلسطينيين، وحذر من أن غيابها سيجعل داعش يستغل هذا الصراع ايضا. بكلمات اخرى، حتى لو تجاهلنا تأثير أحداث الحرم، وأنها ستتوقف بعد الاعياد، فان بعض الدول العربية، مصر والسعودية، لا تُسلم علنا باستمرار السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
الاعتبار الثاني هو أن سياسة نتنياهو قد تظهر كرؤية ضيقة. بقيادة أبو مازن أو من سيخلفه، يستطيع الفلسطينيون تطبيق السيناريو الاصعب كما يهددون، حل السلطة الفلسطينية والغاء اتفاقات اوسلو. وسواء فعلوا ذلك أم لا فانهم لن يُسلموا باستمرار الوضع الراهن إلى الأبد. وعندها ستندلع انتفاضة جديدة.
وهناك اعتبار ثالث، في ظل غياب اتفاق يؤدي إلى اقامة دولة فلسطينية، تسير إسرائيل ببطء باتجاه الدولة الواحدة ثنائية القومية بين البحر والاردن. إن تقدم المفاوضات والمحاولة الصادقة للتوصل إلى اتفاق معين ـ مؤقت، مرحلي، بعيد المدى ودائم ـ ليست كماليات تستطيع إسرائيل العيش بدونها. هذه مصلحة قومية وحيوية ووجودية.
تعيين روني الشيخ، نائب رئيس «الشباك»، في منصب المفتش العام للشرطة قد يعمل على تعقيد الوضع في قيادة «الشباك». لكن في البداية اليكم تعديل بسيط: قبل بضعة ايام كتبت بأن ألشيخ بدأ طريقه في الجهاز في الوظيفة الاقل مستوى وهي مُركز (ضابط استخبارات ـ ومُشغل عملاء). هذا ليس صحيحا. فبعد أن أنهى الدورة الاساسية ـ المعهد المشترك لدراسة اللغة العربية ـ انضم إلى «الشباك» في وظيفة محقق، وهناك ترفع في سلم الجهاز الوظيفي.
عند عودته من الأمم المتحدة، سيرسل رئيس الحكومة كتابا رسميا يعين فيه ن. لمهمة نائب رئيس «الشباك» يورام كوهين. ن. شغل هذا المنصب إلى ما قبل العام. وعندها تم تعيين ألشيخ مكانه.
منذ عقدين، منذ فترة عامي ايلون، وضع نظام في «الشباك» يقول إن رئيس الجهاز يُهييء نائبين كي يستطيع رئيس الحكومة اختيار أحدهما ليرثه. هذا ما حصل مع آفي ديختر وإسرائيل حسون، ويوفال ديسكن وعوفر ديكل، ويورام كوهين وايلان اسحق، وهكذا ايضا مع ألشيخ ون.
لكن الآن، بسبب الظروف، سيكون ليورام كوهين نائب واحد فقط. هذا على فرض أن ولايته ستنتهي بعد نصف عام ولن تمدد لسنة اخرى كما يسمح قانون «الشباك». حتى الآن ليست هناك بوادر على ذلك، وأوضح كوهين للمقربيه أنه لا ينوي الاستمرار. على هذه الخلفية يتسرب الخوف في اوساط رفيعي المستوى في «الشباك» من أن هذا الوضع قد يؤدي إلى الضغط لتعيين رئيس «الشباك» من الخارج. مثلا جنرال في الجيش. لكن خلافا للوضع الذي ساد في «الشباك» بعد قتل رابين، أو السائد في شرطة إسرائيل اليوم، فان الجهاز لا يحتاج إلى شخص من الخارج.
هناك ثلاثة اشخاص على الاقل في داخل الجهاز يعتبرون أنفسهم جاهزون لاستبدال يورام كوهين. المرشح الابرز هو النائب القديم ـ الجديد ن. الذي كان في الماضي البعيد في وحدة هيئة الاركان الخاصة. وما ينقصه أنه لم يأت من قسم تتركز فيه اعمال الجهاز ـ الذي هو الوسط الفلسطيني، الذي نشأ منه جميع رؤساء «الشباك» منذ أيلون (ديختر، ديسكن وكوهين).
من جهة، حصل في «الشباك» في العقد الاخير تغيير بنيوي بعيد المدى. ما زال جهازا مبنيا على المعلومات الشخصية وعلى الملاحظة وتجنيد العملاء، لكنه ايضا مليء بالتكنولوجيا في مجال محاربة السايبر (الاستخبارات التي تتم عن طريق التنصت على الهواتف والفاكستات والحواسيب)، هذه الوسائل التي يستخدمها قسم العمليات، تخدم جميع عمليات جمع المعلومات وتشغيل العملاء والتحقيق، حيث يحصل «الشباك» بواسطتها على المعلومات.
مرشحان آخران هنا ر. الذي هو اليوم رئيس قسم الجهاز (الذي استبدل ألشيخ)، وكان قبل ذلك رئيس المنطقة الجنوبية في عملية الجرف الصامد. و أ. الذي كان رئيس منطقة القدس والضفة، واليوم يعمل في الموساد في وظيفة مستشار ومسؤول عن المشاريع المتعلقة بمكافحة الإرهاب.
الكاهن الأكبر للأسرار الكبيرة
وزير الدفاع موشيه يعلون يستمر في التردد حول تعيين مسؤول عن الأمن في جهاز الأمن بدلا من امير كين الذي ينهي خدمته بعد 8 سنوات.
عوفر هريئيل، المستشار الإعلامي لوزير الدفاع قال ردا على سؤال معاريف: «القرار سيتخذ قريبا».
الحديث هنا عن وظيفة مهمة وحساسة وهي تشبه الكاهن الكبير لمملكة الاسرار الكبيرة في إسرائيل. هو المسؤول عن امن المعلومات والامن الفيزيائي للمواقع والمؤسسات التابعة للاجهزة الأمنية بما في ذلك المفاعل النووي في ديمونة، ولجنة الطاقة النووية، والمعهد البيولوجي في نس تسيونا وجميع الصناعات العسكرية.
كما نشر في هذه الصفحة لاول مرة. فقد تنافس اربعة اشخاص على المنصب: شلومي معيان وهو ضابط أمن وزارة الدفاع؛ شالوم شرعابي الذي كان في السابق رئيس قسم التحقيق في الشباك وبفضله تم الكشف عن تحقيقات معقدة منها احدى القضايا الاكثر اهمية والتي لم تنشر بعد؛ ونير بن موشيه الذي هو اليوم مستشار مدير عام وزارة الدفاع.
قبل ثلاثة اشهر انشئت لجنة برئاسة مدير عام وزارة الدفاع دان هرئيل وبمشاركة نائب سكرتيرة خدمات الدولة اييلا اوشري غونين؛ ومساعدة المستشار القانوني للحكومة، دينا زلبر؛ رئيس رفائيل ايلان ديران ومدير عام بنك إسرائيل حيزي كالو الذي كان عند قتل رابين رئيس قسم منع التدخل الخارجي والتجسس المعاكس.
لقد اوصت اللجنة على اثنين من المرشحين: ايلان اسحق ونير بن موشيه. الوزير ما زال مترددا. توجد مشكلة في الخلفية. بن موشيه هو مساعد هرئيل الذي هو رئيس اللجنة. لا يوجد هنا تعارض في المصالح لأن المدير العام هرئيل حصل على موافقة شخصية من سكرتيرة خدمات الدولة بأن يكون جزء من اللجنة. عملية التعيين هي أمر مرتب ومشدد وتتم حسب الاجراءات القانونية وبمرافقة قضائية متواصلة.
معاريف