صيد ثمين للأمن العام يروي تفاصيل خطف العسكريين
إنجازٌ جديدٌ حقّقته المديريّة العامّة للأمن العام، بإلقائها القبض على شخص له باع طويل في القتال إلى جانب “لواء فجر الإسلام” وتنظيم “داعش” وغيرهما من التنظيمات التكفيرية المشاركة في معارك عرسال وخطف العسكريين في الثاني من آب 2013.
وفي هذا الإطار تحدَّثت صحيفة “السفير” عن أن اعترافات السوري عبدالله يحيى رحمة كشفت النقاب عن هويّة المبادر إلى احتجاز العسكريين في عرسال، ومن شارك في المفاوضات لإطلاق سراحهم، “خصوصًا أن تنظيم “داعش” كان يبدل كل فترة من يتولى المفاوضة باسمه لأسباب أمنية على الأرجح”.
وتابعت “في البداية، كان المسؤول العسكري لـ”داعش” أحمد محمود طه الملقّب بـ”أبو حسن الفلسطيني”، هو المسؤول عن العسكريين، لا سيما أنّه هو من قاد عملية اقتحام حاجز الجيش اللبناني في وادي الحصن وأسر عناصره”. ولكن موت الرجل خلال معارك عرسال، أدى إلى نقل ما يسمى بإمرة “داعش” في القلمون إلى المدعو “أبو عبد السلام الشامي” (40 عاماً)، ليكلَّف أيضاً من قبل ما يسمى بـ”والي الشام” المدعو “أبو أيوب العراقي” بالتحكم بملف العسكريين لدى “داعش”.
وقالت “السفير”، كان يتردّد إن العسكريين موجودون داخل مقارّ تابعة للتنظيم في جرود نحلة ضمن الأراضي اللبنانية. وبعد 4 أيّام فقط، كان الشامي يسلّم أمر التفاوض بشأن العسكريين إلى غيره. فقد زكّى لهذه المهمّة القيادي في ما يسمى “لواء فجر الإسلام” السوري يحيى الحمد الملقّب بـ”أبو طلال”، على اعتبار أن للأخير علاقة وثيقة برئيس بلديّة عرسال علي الحجيري و”هيئة علماء المسلمين”.
وتتحدث الصحيفة عن أن “أبو طلال” لم يستطع المضي بإدارة الملفّ بعدما ساءت علاقته مع المدعو “أبو عبد السلام”، على خلفيّة تفتيش عناصر تابعة لـ”داعش” مقارّ لـ”فجر الإسلام” إثر معلومات عن تعاطي عناصره الحشيشة وشرب الدخان، فيما وصفها “أبو طلال” بأنّها “عمليّة اقتحام”. أيّام قليلة وكان القرار متخذًا: كفّ يد “أبو طلال” عن الملفّ وفصله مع جميع عناصره من “داعش”، ليعود هؤلاء ويلتحقوا بـ”كتائب الفاروق الإسلاميّة” بقيادة موفق الجربان الملقّب بـ”أبو السوس”.
وأشارت إلى أنه خلال هذه الفترة، لم يتمّ تعيين خلف لـ”أبو طلال”، إلى أن قام التنظيم بتبديل هيكليّته في منطقة القلمون، فكان منصب “أمير القلمون” من نصيب العراقي “أبو بلقيس” (28 عامًا)، الذي تمّ تكليفه أيضاً بمهمة التفاوض بقضية العسكريين على أن يبقى “أبو عبد السلام” “مساعداً شرعياً” له.
وأوردت “السفير” أن اعترافات رحمة لدى التحقيق معه في الأمن العام، توضح أنّ ملفّ العسكريين لدى “داعش لم يكن له يوماً قيادة واحدة وموحدة، بل إنه انتقل خلال عام ونيّف من يد إلى أخرى!
وتحت عنوان “ماذا حصل في 2 آب؟”، تابعت الصحيفة، مؤكدةً أن الموقوف روى بالتفصيل ما رآه بأم عينه في عرسال. “حينها كان ابن الـ25 عاماً الهارب من القصير مقاتلاً في صفوف “فجر الإسلام” بقيادة عماد جمعة”. ففي يوم 2 آب، وما إن سمع رحمة بخبر توقيف رئيس مجموعته عماد جمعة عند حاجز وادي حميد، حتى هرول مسرعاً إلى السوري يحيى الحمد الملقّب بـ”أبو طلال” ليؤكّد له خبر إلقاء القبض على جمعة، مطمئناً إياه في الوقت عينه الى أنّه يفاوض رئيس بلدية عرسال لإطلاق سراحه.
وفي التفاصيل، أنه وبعد ساعات قليلة، وردت معلومات إلى “أبو طلال” تشير إلى أنّ جمعة ما زال موقوفاً في إحدى غرف حاجز وادي حميّد، فسارع إلى الطلب من السوري عمر دباح الحسين الملّقب بـ”العمدة” المحسوب على “النصرة” أن يتدخل لإطلاق جمعة.
وعلى الفور، توجّه “العمدة” على رأس مجموعة مؤلّفة من 150 مسلحاً (كان رحمة من بينهم) تابعين لما يسمى بـ”لواء فجر الإسلام” إلى منطقة الملاهي في خراج عرسال، على متن سيارات “بيك اب”. وبعد تبادل لإطلاق النار مع عناصر الحاجز وإصابة خمسة منهم، تراجع هؤلاء إلى خلف الملاهي.
كان خبر نقل عماد جمعة من عرسال قد بات يقيناً، فقامت مجموعة من المسلحين بالهجوم على “المهنيّة”، حيث استشهد ضباط وعناصر تابعون للجيش.
بعد فترة وجيزة، تغيّرت المعطيات مجددا، ليُبلغ “أبو طلال” (الذي كان في مبنى بلدية عرسال) عبدالله رحمة و”العمدة” أنّ جمعة “سيعود إلى عرسال”، وفق ما أكّد له رئيس بلديّة عرسال الذي تدخّل لدى قيادة الجيش لإطلاق سراح الموقوف.
انتظر الرجلان عند مبنى بلديّة عرسال حتى انقلبت الأمور رأساً على عقب: المسؤول العسكري لـ”داعش”، في حينه، “أبو حسن الفلسطيني”، قاد عملية أدت إلى اقتحام حاجز للجيش اللبناني في منطقة وادي الحصن وأسر عناصره، بعدما استولى على كل الأعتدة والآليات العسكريّة الموجودة بداخله.
أنتجت هذه العمليّة فيما بعد حالة من الهرج والمرج داخل عرسال، التي دخل إليها مسلحون من مختلف المجموعات المسلحة وسيطروا عليها.
واضافت الصحيفة مستعرضة مجريات الأحداث، “ساعات وكان مبنى مخفر درك عرسال هو هدف الإرهابيين، حيث قامت مجموعة تابعة لـ”النصرة” يقودها السوريان ميماتي شروف (25 عاماً) واسكندر عامر (35 عاماً) باقتحام مخفر قوى الأمن الداخلي في البلدة.
حينها، “شمّر الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) عن ساعديه وشارك شخصياً في خطف الدركيين الـ15 ليتمّ نقلهم إلى المستشفى الميداني الذي يديره الحجيري”، وفق ما نقلت “السفير” عن إفادة رحمة، الذي قال إنه كان في المكان، وبعد ذلك تولى نحو 40 مسلحاً من “النصرة” اقتياد الدركيين إلى مسجد البلدة (يقع في مبنى المستشفى نفسه) ونقل رحمة عن الحجيري انه أبلغ المتحفظين على نقل الدركيين إلى هذا المكان بأنه “يحمي العسكريين” في المستشفى.
وإلى جانب المعلومات التي يكتنزها رحمة، فإنّ أرشيف الشاب الذي درس الفيزياء في جامعة حمص، ظهر خلال الاستجواب متخماً بفنون التنقل من مجموعة إلى أخرى. إذ ما إن بلغ الشاب الـ21 عاماً حتى كان مقاتلاً إلى جانب “كتائب الفاروق” بقيادة السوري موفّق الجربان الملقّب بـ”السوسي” (والأخير هو اليوم من أبرز قياديي “داعش”.
وبعد سقوط القصير، انتقل رحمة إلى القلمون، وسرعان ما نقل البارودة من كتفٍ إلى آخر، ليعلن انتماءه إلى “لواء فجر الإسلام” بقيادة عماد جمعة مقابل 300 دولار شهرياً. وما إن أعلن جمعة مبايعته لـ”داعش” بعد مضايقات تعرّض لها الأخير من أمير “جبهة النصرة” في القلمون أبو مالك التلي، حتى قام رحمة بالأمر نفسه وهو الذي ظهر في فيديو المبايعة الذي انتشر على “يوتيوب”.
غير أن عمليّة توقيف جمعة أعادته خانة إلى الوراء من دون أن يفكّ بيعته لـ”داعش”، ليعود مقاتلاً مع مجموعة “السوسي”، الذي أضحى الأمير العسكري للتنظيم في جرود القلمون وعرسال. وتسلّم رحمة منه مهمّة تأمين المحروقات والألبسة والعتاد العسكري من عرسال لفصيل مؤلّف من 75 عنصراً “مرابطين” في جرود قارة حتى فترة قصيرة من توقيفه في أيلول الماضي.
وختمت الصحيفة “إن رحمة الذي انتقل إلى عرسال نهائياً، في أيّار 2015، يخطّط لمغادرة لبنان إلى تركيا بجواز سفر مزوّر، إلا أن ذلك لم يحصل، لينتهي به المطاف موقوفاً في السجون اللبنانيّة”.