مقالات مختارة

«امر اليوم» ضدّ الارهاب محمد بلوط

 

ما الذي جعل الرئيس الروسي يتخذ القرار بالتدخل المباشر لضرب كل المجموعات الارهابية في سوريا؟

كل المؤشرات والوقائع التي سبقت القرار الروسي بناء لطلب القيادة السورية تؤكد ان ما باشرت به موسكو لم يأت من العدم، بل ان التطورات التي سجلت في الأشهر الماضية ساهمت في اتخاذ هذا الخيار الذي فرض نفسه ليس على روسيا فحسب بل ايضا على الآخرين.

وفي قراءة لهذه التطورات ترى مصادر ديبلوماسية متابعة ان الدخول الروسي المباشر في الحرب على الارهاب في سوريا لم يأت وليد اللحظة الآنية، لا بل جاء نتيجة لتراكمات وحسابات تتجاوز الساحة السورية.

وتشير المصادر الى ان موسكو اتخذت قرارها منذ فترة، وانتظرت اللحظة المناسبة لترجمته آخذة بعين الاعتبار المعطيات المتوافرة لديها من جهة، ونتائج وآثار تدخلات الجهات الأخرى في هذه الازمة وعلى رأسها واشنطن. ووفقاً لهذه القراءة تشير المصادر الى وقائع ومعطيات عديدة ابرزها:

– فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عملياته الجوية ضد «داعش» في العراق وسوريا، وهزالة النتائج التي حققها.

– تزايد الغزو الارهابين لسوريا من كل اقطار العالم، خصوصاً في ظل عدم تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بتجفيف منابع هذا الارهاب.

– تحول الحدود مع سوريا من تركيا والعراق والاردن الى ممرات آمنة لقوافل الارهابيي، بحيث اصبحت هذه الحدود لا سيما الشمالية جبهات مفتوحة لتغذية النشاط الارهابي في كل سوريا.

– سقوط مقولة «المعارضة المعتدلة» سقوطا كاملاً حيث انخرطت هذه التنظيمات في «داعش» و«النصرة» واصبحت جزءاً لا يتجزأ من الوجود الارهابي في سوريا.

– تزايدت المخاوف لدى الرأي العام الاوروبي مؤخراً مع تفاقم ازمة زحف النازحين السوريين، من تحول العديد منهم الى قنابل موقوتة في هذه البلدان.

والى جانب هذه الوقائع الظاهرة والساطعة تقول المصادر ان هناك معطيات مهمة جعلت الروس يبادرون اليوم الى الدخول المباشر في الحرب على الارهاب في سوريا، ومنها انهيار المنظومة العربية وانحلال دور الجامعة لصالح الاحلاف والادوار العديدة التي قادتها واشنطن في المنطقة لا سيما بعد ما يسمى بالربيع العربي.

ولا شك، تضيف المصادر، ان موسكو اخذت على حين غرّة في القرارات الدولية التي صدرت بعد الثورة في ليبيا والاطاحة بنظام القذافي بحيث لم تتمكن من ان تكون شريكا في الواقع الليبي الجديد فجاءت النتائج على حسابها.

واستدراكا لهذه الغلطة المكلفة اتّبعت روسيا بالتعاون مع الصين سياسة «الفيتوات» المتكررة تجاه الازمة السورية، واستطاعت اسقاط المشاريع والقرارات التي كانت تعدها واشنطن لتشريع الحرب على دمشق.

ولم يكتف الكرملين بذلك بل اخذ يتابع بكل اهتمام وعناية ما يحاك ضد النظام السوري وفي المنطقة واضعاً في حساباته ان نفوذه وحضوره على مستوى التحالف والاتفاقيات العسكرية وغير العسكرية مع سوريا هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه تحت أي عنوان أو اعتبار.

وانطلاقاً من ذلك بادرت روسيا منذ بدء الازمة السورية وخلال كل مراحلها حتى الآن الى الاستمرار في تزويد دمشق بالسلاح والعتاد ومساندتها على المستوى السياسي والديبلوماسي، غير ان هذه السياسة لم تعد توازي حجم التدخلات العسكرية المباشرة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها اكان على مستوى تسليح ودعم المجموعات المعارضة بالسلاح والمال، او على مستوى تغطية او غض الطرف عن تصدير الارهاب والارهابيين الى سوريا بحجة العمل على اسقاط الرئىس بشار الاسد.

وحاولت موسكو ملاقاة واشنطن والآخرين في السعي الى حوار وحل سياسي للأزمة السورية واستضافت اكثر من مؤتمر لهذه الغاية بعد جولات جنيف، لكنها اصطدمت بمواقف متشددة اجهضت كل محاولاتها.

ومع تعاظم الخطر الارهابي الذي تجاوز سوريا وانتشر كالعدوى في كل المنطقة رفع الرئىس بوتين شعار بناء حلف دولي واقليمي ضد هذا الارهاب خصوصاً بعد ان تبين ان الضربات الجوية للحلف الاميركي ليست سوى خطوات او اقرب الى العمل الدعائي غير المجدي.

وفي رأي المصادر الديبلوماسية ان روسيا ادركت بعدالتداعيات التي احدثها ما يسمى بالربيع العربي في بعض الدول ان خريطة النفوذ في المنطقة التي تغيرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لصالح واشنطن مرشحة لمتغيرات اخرى تطيح بما تبقى من نفوذ لها لصالح الاستفراد الاميركي الكامل في المنطقة.

ولاحظت ايضاً ان الارادة الاميركية اندفعت في خطة هيمنتها في الشرق الاوسط بحيث باتت في مرحلة لا تقبل شراكة او اي وجود او حضور للآخرين، وهذا ما جعل الرئيس بوتين يجري تغييرات جوهرية في السياسة او الاستراتيجية الروسية بعد مراجعة شاملة لسياستها في المرحلة الاولى من الاحداث والتطورات التي رافقت ما يسمى الربيع العربي.

ومما لا شك فيه ان الردّ الروسي على الانقلاب الغربي الذي حصل في اوكرانيا كان وجها من وجوه السياسة والاستراتيجية الجديدة التي امتدت لاحقا الى منطقة الشرق الاوسط عموماً وسوريا خصوصاً، ويشار في هذا المجال الى عودة التعاون العسكري الروسي ـ المصري، وصفقات التسليح التي عقدتها موسكو مع بغداد، عدا عن ارتفاع وتيرة التعاون العسكري بينها وبين طهران بعد الاتفاق النووي.

وتلفت المصادر الديبلوماسية الى ان روسيا مهّدت لتدخلها المباشر في سوريا بخطوات عديدة ومنها: زيادة التنسيق مع ايران من خلال زيارة الوفود العسكرية الرفيعة الايرانية الى موسكو بعد اتفاق فيينا، ووضع واشنطن والدول الاوروبية الغربية في اجواء سياسة الحزم التي ستتبعها من الان فصاعدا.

وبرأي المصادر ان القيصر بوتين يبعث الى العالم اليوم برسالة مفادها ان حلفاء روسيا يستطيعون الاتكال عليها وباتوا على ثقة بانها لن تخزلهم او تتردد في دعمهم ومساعدتهم.

ومن الواضح، حسب المصادر الدبلوماسية، ان القيادة الروسية اخذت بعين الاعتبار كل النتائج والتداعيات الممكنة لتدخلها العسكري المباشر في سوريا. ويبدو واضحا حتى الان ان ردود الفعل الاميركية والاوروبية الغربية هي اقرب الى السكوت او التعامل مع واقع الامر، لا بل ان المعلومات المتوافرة للمصادر تفيد بان هناك نوعا من الاتفاق على تجنب الادارة الاميركية التدخل بالحرب الروسية في سوريا مقابل تفهم روسيا للدور الجوي الاميركي في العراق.

وينقل عن دبلوماسي روسي قوله «ان هناك ما يشبه التفاهم على ان يقوم الطيران الروسي بضرب الارهاب في كل الاراضي السورية، وان يواصل الطيران الاميركي دوره في العراق. ولا يمنع ذلك في ان نوسع نطاق عملياتنا الجوية الى هذا البلد اذا ما تلقينا من الحكومة العراقية طلبا مماثلا للطلب السوري».

ويصف الدبلوماسي هذا الامر بانه بداية جيدة ومقبولة، مضيفا «علينا ان نتقدم في هذا الاتجاه نحو توحيد الجهود في الحرب على الارهاب بدلا من ان تبقى سياسة الحذر المتبادل».

ومما لا شك فيه انه من السابق لاوانه تقديم نتائج بداية التدخل الجوي الروسي ضد الارهاب في سوريا، غير ان هذا النهج الجديد لموسكو رسخ حقيقة وبات من المسلم ان احلام ومشاريع اسقاط الرئيس الاسد والنظام السوري قد تبددت وتبخرت.

اما المعارضة السورية فهي امام خيارين: اما ان تكون جدية وتقبل بحوار موضوعي للوصول الى حل سياسي يرتكز على بقاء الرئيس الاسد، او ان تبقى مشتتة ومبعثرة.

وبالنسبة لداعش والنصرة وباقي المجموعات الارهابية فامامها خيار واحد لا غير، وهو الخيار العسكري الذي دخل مرحلة جديدة بعد القرار الروسي.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى