هل منحتْ واشنطن الإذن لموسكو في سورية؟ عامر نعيم الياس
في الثالث والعشرين من أيلول العام 2014، وقبيل توجّهه لحضور أعمال الجمعية العامة الـ69 في نيويورك، بدأ تحالف الرئيس الأميركي باراك أوباما على «داعش» ضرباته الجوّية فوق الأراضي السورية. التحالف الذي يضمّ ستين دولة، وحتى أوائل الشهر الجاري، اكتفى بشنّ غارات مشتركة فوق سورية تضمّ واشنطن وأدواتها من العرب، فيما انكفأ الأوروبيون عن المهمة، واكتفوا بالعراق كي لا يساهموا في «تقوية نظام الأسد» وفق الحجة الغربية المستخدمة لتبرير عدم المشاركة في العمليات الجوية فوق سورية.
بعد سنة وأسبوع من هذا التاريخ، وعلى هامش أعمال الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي الثلاثين من أيلول 2015، بدأت الضربات الجوّية الروسية فوق الأراضي السورية بطلبٍ رسمي من الحكومة السورية، إذ أخطر الروس نظراءهم الأميركيين بإخلاء الأجواء السورية وقاموا بضرب أهداف لتنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بـ«حركة أحرار الشام» السلفية و«جبهة النصرة» الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، و«جيش العزة» المرتبط بما يُسمّى «الجيش الحرّ» في ريف حمص الشمالي وريف حماة، وهي مناطق لم يشملها القصف الجوّي لتحالف أوباما طوال السنة الماضية. فهل هناك عملية توزيع أدوار بين التحالفين؟ وهل يعكس التنسيق الأميركي ـــــ الروسي توافق الرؤى والمصالح بين الدولتين الكبريين في سورية؟
إن التنسيق الأميركي ـــــ الروسي حول سورية يقوم على أساس ما يمكن فرضه على أرض الواقع وفي الميدان. هذا هو المعطى الرئيس الذي دفع بالتحوّل السياسي الغربي في ملف المفاوضات السياسية في سورية وشرط تنحّي الرئيس الأسد بالتحديد إلى واجهة الأحداث، فالتكيّف الغربي مع بقاء الأسد «في المرحلة الانتقالية» وفق تعبيرهم، لم يأتِ نتيجة ضغط أزمة اللاجئين وحدها، ولا نتيجة للتسليم بالدور الإيراني فقط، بل إن الحضور الروسي على الأرض السورية ساهم في تغيير المعطيات الدولية بشكل لا رجعة عنه. فنحن أمام عالمٍ متعدد الأقطاب، هنا تحديداً لا يرقى التنسيق الروسي ـــــ الأميركي في ما يخصّ سورية إلى مستوى اتفاق وتبادل أدوار أو حتّى كما يحاول البعض متطرّفاً أن يقول بوجود إذن أميركي للعمليات الروسية فوق سورية. إنما هو تسليم عمليّ بانتهاء عصر الأحادية القطبية الذي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهى مع التدخل العسكري الروسي خارج المجال الحيوي للاتحاد الروسي للمرة الأولى منذ الانسحاب السوفياتي من أفغانستان العام 1989، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن التنسيق العسكري الذي يجري الحديث عنه بين وزارتي الدفاع الروسية والأميركية، لا يعدو عن كونه تنسيقاً لوجستياً لمنع تصادم طائرات التحالفين، إن صحّ التعبير، فوق الأراضي السورية. وذلك في ضوء الاختلاف المستمر في وجهات نظر الرئيسين بوتين وأوباما حول الأزمة السورية والسبل الكفيلة بمعالجتها سواء في الحرب على الإرهاب، أو في إدارة مرحلة التفاوض السياسي وما يليها من عملية انتقالية يبقى فيها مصير الرئيس السوري موضع خلاف، إن لم يكن في بداياتها، فإنه حاضر وبوضوح في نهاياتها على اعتباره شرطاً لازماً للتسليم بشرعية العملية الانتقالية وفق التفسير الأميركي الغربي لها.
مما لا شك فيه أن التوافق الدولي حول سورية يُعدّ العنصر المفقود الأكثر وضوحاً في مسار الأحداث المستمرة منذ حوالي خمس سنوات. هذا الغياب هو الذي أفرز التطورات الميدانية الأخيرة وحتى الأمنية المتعلقة بغرفة عمليات بغداد لتحالف 4+2 ، ومن المحتمل أن يقود إلى تطورات جديدة تحدد في مراحل لاحقة، لكن اختبار القوة بدأ بين واشنطن وموسكو على أمل أن ينتهي سريعاً سواء أكان سيؤدي إلى تصعيد أم إلى توافق حول حلٍّ ما وإعادة الحياة إلى المسار السياسي حول سورية.
(البناء)