التلويح بفشل روسيا في سورية: الحقيقة والوهم حميدي العبدالله
بعد إعلان روسيا تعزيز وجودها العسكري في سورية للإسهام في مكافحة الإرهابيين، كان أول تعليق رسمي على هذا التطور وعلى لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما يفيد بأنّ روسيا سوف تفشل في سورية، وعلى الرغم من أنّ صحيفة «نيويورك تايمز» قد تولّت توضيح أسباب الامتعاض الأميركي من الوجود الروسي في سورية والذي لخصته بعاملين اثنين، الأول، الحدّ من الضغوط الميدانية على الجيش والدولة السورية، والثاني تعطيل تسوية سياسية ترضى عنها واشنطن والمعارضة المرتبطة بها، إلا أنّ التلويح بفشل روسيا في سورية يبطن مسألة أخرى، فربما يشير الرئيس الأميركي، حتى وإنْ لم يصرّح بذلك، إلى تجربة الولايات المتحدة في العراق، وربما يقصد أيضاً تجربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.
لا شك في أنّ الوجود العسكري الروسي في سورية يختلف عن الوجود العسكري السوفياتي في أفغانستان، إنْ على مستوى الأهداف والدوافع أو على مستوى طبيعة هذا التواجد.
على مستوى الأهداف، جاء التدخل السوفياتي في أفغانستان في إطار التمدّد السوفياتي في أنحاء العالم كافة، في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، في حين أنّ الوجود الروسي في سورية يأتي اليوم دفاعاً عن وحدة واستقرار روسيا وأمنها القومي المهدّد بآلاف الإرهابيين الذين يقاتلون في سورية والمتحدّرين من مقاطعات القوقاز في روسيا الاتحادية، وتخشى موسكو ارتدادهم إلى داخل روسيا كما حدث في الشيشان ومناطق أخرى في روسيا، وطالما أنّ تبعية روسيا يلتسين للغرب وللولايات المتحدة لم تشفع لها دون سعي المجموعات الإسلامية المتطرفة المرتبطة بالغرب والمدعومة من الحكومات الموالية له، إلى تهديد وحدتها واستقرارها، فمن البديهي أنّ قلق موسكو الآن أكبر في ظلّ نيات الغرب والولايات المتحدة العدائية ضدّ روسيا بوتين. لذلك فإنّ الوجود العسكري الروسي في سورية، وربما القتال لاحقاً إلى جانب الجيش السوري، هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لموسكو، وهو دفاع عن استقرار ووحدة روسيا وأمنها القومي.
أما على مستوى طبيعة هذا الوجود، فمن الواضح أنّ الدولة السورية، على عكس النظام القائم في أفغانستان أيام الاتحاد السوفياتي، تعبّر عن إرادة غالبية السوريين، وتمتلك جيشاً قوياً وفعّالاً وحلفاء إقليميين يقاتلون إلى جانبها مثل المقاومة اللبنانية، وبالتالي أولاً، فإنّ روسيا ليست بحاجة لإرسال قوة برية كبيرة، وهي لا تحتاج لأكثر من أطقم لإدارة الأسلحة المتطوّرة وتدريب الجيش السوري عليها، وثانياً، ليس هناك أيّ مخاطر بإلقاء عبء مكافحة الإرهاب في سورية على عاتق الجيش الروسي كما كان عليه الحال بالنسبة الجيش السوفياتي في أفغانستان، والمرجح أن يؤدّي تكامل جهد الجيش السوري وحلفائه مع جهد الإسهام الجوي والصاروخي والمدفعي والاستطلاعي للجيش الروسي إلى نجاحات تشبه النجاحات التي حققها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عين العرب، وليس إعادة إنتاج تجربة أفغانية جديدة.
لذلك فإنّ رهان واشنطن على فشل روسيا في سورية هو وهم وليس حقيقة.
(البناء)