مقالات مختارة

قنبلة مشروطة: براك ربيد

 

كنوع من التغيير، نفذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعده. في خطابه أمام الجمعية العمومية للامم المتحدة أمس ألقى قنبلة حينما أعلن أن الفلسطينيين لن يلتزموا بالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل خلال الـ 22 سنة الماضية. لكن السؤال الذي يقي مفتوحا هو هل سيتم تشغيل هذه القنبلة فورا حيث تتسبب بانفجار حقيقي، أم ستبقى قابلة للانفجار في أي وقت، أم هل سيتضح أنه بدلا من أن تكون قنبلة متفجرات هي قنبلة رائحة كريهة ستتلاشى بسرعة.

ليس صدفة أن مكتب رئيس الحكومة لم يرد على الجزء الاساسي في اقوال أبو مازن. في اسرائيل لم يفهموا بعد المغزى الفعلي لهذه الاقوال. في التحليل الاولي للخطاب الذي تم في اسرائيل كان التفسير مريح شيئا ما، وهو أنه مجرد تهديد فقط. فأبو مازن لم يحدد موعدا لبدء الفلسطينيين بعدم الالتزام بالاتفاقات مع اسرائيل، ولم يُفصل أي اتفاقات يقصد واذا ما كان التنسيق الامني من ضمنها.

حسب التحليل الاولي في اسرائيل فان أبو مازن ألقى قنبلة لكنه لم يضغط بعد على الزر. فهو سينتظر قليلا حتى يرى تأثير أقواله. واذا حدث تغيير دراماتيكي فيمكنه تفكيك القنبلة واعادتها إلى السدّة. واذا لم يحدث شيء فقد يحدث الانفجار، والوضع الحساس في المناطق سيتدهور أكثر.

الآن سيبدأ الحراك. اجتمع أمس وزراء خارجية الرباعية ـ الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ـ مع وزراء خارجية دول عربية واوروبية لمناقشة الازمة بين اسرائيل والفلسطينيين. بعد اسبوعين سيصل إلى اسرائيل وفد رفيع المستوى من الرباعية. وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني التي التقت أمس مع نتنياهو ستصل ايضا إلى المنطقة، ويمكن أن يأتي الأمريكيون ايضا الذين يتملصون في الاشهر الاخيرة من هذا الموضوع.

السؤال المُلح هو ما الذي ستفعله اسرائيل. يبدو أنه في هذه المرحلة لا توجد لحكومة نتنياهو أي استراتيجية حول الموضوع الفلسطيني باستثناء محاولة الابقاء على الوضع الراهن بأي ثمن حتى لو كان هذا يفلت من أيديها. أحد الاشخاص الذين جلسوا في قاعة الجمعية العمومية وسمعوا خطاب عباس كان منسق العمليات في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي. في ظل غياب قرارات وسياسة حكومية واضحة، هو الذي سيضطر إلى تنظيف هذه الفوضى.

نشر قبل وقت قصير مقال محرر صحيفة السلطة «الحياة الجديدة»، حافظ البرغوثي حيث حاول تحليل الورثة المحتملين لأبو مازن، وبعد مروره على كل المرشحين وضع الجنرال مردخاي كرئيس قادم لفلسطين. خطاب عباس الذي اعلن فيه أن على اسرائيل كقوة محتلة أن تتحمل مسؤولية المناطق، يقرر اللحظة التي قد يحدث فيها هذا السيناريو.

بعد نزول الرئيس عباس عن المنصة بدقائق تجمع الصحافيون والدبلوماسيون في ساحة الورود لاجراء مراسيم رفع العلم الفلسطيني.

ووصل في أعقابهم وزراء الخارجية، وكان من بينهم وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، ووزير الخارجية الروسي، سرجييه لافروف، ووزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف وغيرهم.

المهمة الاسمى التي كانت امامهم هي التدافع إلى الصف الاول ليكونوا موجودين في اللحظة التاريخية. طالما انهم يتصورون بجانب العلم فانهم قد قاموا بدورهم في حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

كان المشهد سرياليا ومضحكا. وبعد أن اعترف الرئيس الفلسطيني امام العالم بخمس دقائق أنه «سيغلق البسطة» وقف ممثلو عشرات الدول وأدوا التحية لرفع العلم الذي يرمز للسيادة الوهمية الموجودة فقط في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

رغم المسرح الهزلي حول العلم المرفرف لا يجب الاستخفاف باهمية هذا الحدث الرمزي بالنسبة للفلسطينيين الذين فرحوا بشكل تلقائي هم وبعض الأمريكيين في المكان، في مهرجان الإعلام الذي يملأ مناطق السلطة الفلسطينية في الايام الاخيرة، وعشرات الشاشات التي وضعت في المدن الكبيرة في الضفة وجلست امامها عائلات كاملة لمشاهدة الحدث تُذكر باحداث مشابهة من تاريخ دولة اسرائيل. حتى لو لم تنشأ دولة مستقلة في المستقبل القريب، فقد استطاع الفلسطينيون القول لأنفسهم للحظة «نحن موجودون على الخارطة وسنبقى عليها».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى