تخبّط في الموقفين الأميركي والفرنسي حميدي العبدالله
لوحظ بشكل بارز وجود تخبّط في الموقفين الأميركي والفرنسي من الأزمة السورية.
مثلاً وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري أدلى في الآونة الأخيرة بتصريحات توحي بتجاوز عقدة تنحّي الرئيس بشار الأسد، والعمل معه على الأقلّ في الفترة الانتقالية، ولكن الرئيس الأميركي أعلن في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة موقفاً مختلفاً عن موقف الخارجية الأميركية، حتى وإنْ لم يكن الموقف بقوة ما كان عليه في السابق، إذ إنّ العبارة التي وردت على لسان أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة كانت عبارة وصفية وليست شرطاً، حيث قال إنّ الواقعية تقتضي ألا يكون الرئيس بشار الأسد جزءاً من المرحلة الانتقالية.
بديهي أنّ هذه العبارة تنطوي على تغيير في موقف الرئيس الأميركي ولكنه تغيير محدود، ولا يمكن معه تفسير استعداده للتعاون مع إيران وروسيا لحلّ الأزمة في سورية، ومعروف أنّ إيران ترفض الوصاية على الشعب السوري وترفض أن ينطق باسمه أيّ مسؤول خارجي، والموقف ذاته أعلنه الرئيس الروسي عندما ردّ على الرئيسين الأميركي والفرنسي، قائلاً إنهما ليسا مواطنين سوريّين، وليس من حقهما تحديد أن يكون الرئيس بشار الأسد أو لا يكون في سدّة المسؤولية، فهذا حقّ حصري للشعب السوري دون غيره.
كما أنّ وزير خارجية فرنسا أدلى بتصريحات في مقابلة مع صحيفة فرنسية أعلن فيها صراحةً عدم واقعية مطلب تنحي الرئيس الأسد، ولا سيما في الفترة الانتقالية، ولكن الرئيس الفرنسي أعلن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه يصرّ على تنحّي الرئيس الأسد، ولا يقبل أيّ دور له في المرحلة الانتقالية، بل زاد على ذلك بإعادة طرح مطلب إقامة منطقة آمنة في سورية، وهو يدرك أنّ ذلك لا يحظى بموافقة أيّ دولة أخرى في العالم باستثناء تركيا وقطر والسعودية، في حين أنّ الولايات المتحدة ذاتها عارضت ذلك على امتداد عمر الأزمة السورية.
لا شك في أنّ التخبّط الذي عبّرت عنه كلمتا الرئيسين الأميركي والفرنسي هو تعبير عن الإحباط الناجم عن فشل مخططاتهما في سورية في ضوء صمود شعبها وجيشها طيلة الحرب الدموية التي شنّت عليها، الأمر الذي أفسد محاولاتهما إسقاط الدولة السورية وإرغامها على قبول حلول لا تحترم سيادتها، وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.
وبديهي أنّ أحد أسباب هذا التخبّط أيضاً هو الموقف الحازم للقيادة الروسية من الأزمة السورية، وكان واضحاً أنّ ثمة امتعاضاً من الدعم الروسي لسورية الذي مكن شعبها وجيشها من الصمود، وكان له دور كبير في إحباط التطلعات الاستعمارية لأميركا وفرنسا في سورية.
(البناء)