مقالات مختارة

بوتين وأوباما: الاشتباك حول سورية مستمر عامر نعيم الياس

 

من على منبر الأمم المتحدة، وفي الخطابين الأكثر أهمية في افتتاح أعمال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حضرت الحرب على سورية بكل تفاصيلها بدءاً بالأسباب وليس انتهاءً بالحلول المقترحة لإنهاء الأزمة، باراك أوباما كان يلقي خطابه أثناء نزول الرئيس الروسي من على سلّم طائرته وتوجّهه إلى الأمم المتحدة، بعد ثمان سنوات على خطابه الأخير هناك.

يتوقَع الروسي، الذي يدرس تفاصيل خطواته بعناية شكلاً ومضموناً، ألّا يكون هناك تجاوبٌ أميركي واضح وحازم مع المبادرة الروسية الخاصة بسورية.

اختلف الرجلان كثيراً في التوصيف، ما يعكس الافتراق في مصالح الطرفين إلى الحدّ الذي يبدو فيه أنه من غير الممكن في المدى القريب توظيف أيّ مشترك بين الدولتين الكبريين، لخدمة إنهاء الحرب في سورية وعليها.

الرئيس الأميركي، وعلى رغم اللهجة التصالحية في خطابه واعتماده النقد الذاتي وهو الأهم في الحديث عن تجربة بلاده في لبيبا تحديداً والتي شكّلت بدورها نقطة افتراق بالنسبة إلى سياسات موسكو في مجلس الأمن، فضلاً عن استعداده «للتعاون مع روسيا وإيران في سورية»، إلا أنّه فعّل التفسير الخاص بمحور واشنطن في ما يسمى المرحلة الانتقالية، معيداً شخصنة السياسات لتوجيه بوصلة العداء باتجاه شخص الرئيس السوري بشار الأسد «الواقعية تتطلب انتقالاً مرتباً بعيداً عن الأسد، ولزعيمٍ جديدٍ وحكومة شاملة تعترف بأنه ينبغي أن تكون هناك نهاية للفوضى». ومع أن الرئيس الأميركي لم يتحدث عن شرط تنحّي الأسد باعتباره نقطةً لا بدّ منها لبدء العملية السياسية، إلا أنه وصف الرئيس السوري «بالطاغية»، وافترق في الجوهر عن طرح الرئيس الروسي من على منبر الأمم المتحدة والذي رفع السقف هو الآخر إلى الحدود التي تعرّي كامل سياسة واشنطن والحلفاء الموالين لها في سورية، وتبرز الرؤية الروسية للوضعين السياسي والميداني في البلاد والذي تتقاطع كافة الحلول المتعلقة بهما عند نقطتين: الأولى، الخطر الدولي الذي يمثله «داعش» في سورية وأولويته التي تتطلب تحالفاً يضمّ روسيا والولايات المتحدة على غرار «التحالف ضدّ النازية». والثانية، حتمية التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد وجيشه الشرعي «لا أحد سوى القوات المسلحة للرئيس الأسد تقاتل فعلاً تنظيم داعش ومنظمات إرهابية أخرى في سورية»، منبهاً من أن عدم التعاون مع الحكومة السورية والمؤسسات الرسمية سيشكل «خطأً كبيراً».

إن الثابت في السياسات الأميركية توجّه أوباما إلى الابتعاد قدر الإمكان عن الإرث الجمهوري المتمثّل في مبدأ التدخل الاستباقي والمباشر في الدول الأخرى، والعمل بشكل منفرد، لكن من دون أن يحدد ما هو البديل وما هي أسس التعاون مع الدول الأخرى. فالاعتراف الأميركي بعالم متعدّد الأقطاب لم يحصل بعد، على رغم الكلام المهادن للرئيس الأميركي وسوقه الأمثلة عن الوضع في العراق وغيره من الدول. وفي سورية تحديداً اتضح أن الرئيس الأميركي يحاول مهادنة كافة الأطراف المنخرطة في اللعبة، فهو أعرب عن استعداده للتعاون مع موسكو وطهران، وشخصن الأمور في ما يخصّ الرئيس الأسد بما يحفظ ماء أوجه «تل أبيب» والرياض وأنقرة، وفي هذا نزوعٌ إلى الاستمرار في سياسة الاستنزاف أقلّه في المدى الممظور، ومحاولة اختبار مدى الجدّية الروسية في سورية ومقدار هامش المناورة المتاح أمام هذا الوجود العسكري المعزّز في الآونة الأخيرة، وهو ما يبدو أنه ذو سقفٍ مفتوح إذا ما أخذنا بالاعتبار المواقف الحازمة والواضحة التي أطلقها الرئيس الروسي حول سورية، ولعلّ أهمها الحديث عن شرعية الوجود الروسي من جهة، ومن جهة أخرى تصويب بوصلة العداء في سورية إلى كل من يقاتل الجيش السوري «لا فرق جوهرياً بين داعش وما يسمى المعارضة المعتدلة».

بين مهادنٍ يريد لـ«اللاهدف» أن يستمر، وحازمٍ يحدد الهدف بدقة، تبقى المشتركات الروسية الأميركية أقل من مستوى الشروع في حل سياسي في سورية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى