كيف آوى خالد حُبلص الأسير ولماذا قاتل الجيش؟ رضوان مرتضى
مَثُل الشيخ خالد حُبلص أمام هيئة المحكمة العسكرية، إلا أنّ محاكمته أُرجئت. وفي موازاة جلسة محاكمته، أصدر القاضي رياض أبو غيدا قراره الاتهامي ضد حبلص ومجموعته. فسرد حُبلص حكاية انقلابه وقتال الجيش، قصة إيواء أحمد الأسير وتسليح مجموعاته وتجهيز مختبر لتصنيع العبوات الناسفة، وكلّ ذلك بأموال الشيخ أحمد الأسير
بعباءته البيضاء ومظهره السابق الذي استعاده بعد نمو لحيته، رغم عملية التجميل، حضر خالد حُبلص إلى المحكمة العسكرية أمس. وإلى جانب أحد مدرّبي مجموعاته أسامة البخّاش، المدعى عليه بقتال الجيش والانتماء إلى «حركة أحرار الشام»، وقف إمام مسجد هارون من دون أن ينطق بكلمة. غير أن جلسة المحاكمة لم تنعقد بسبب التعارض القانوني لكون وكيل الدفاع عن المدعى عليهما هو المحامي نفسه، علماً بأنّ حُبلص مدعى عليه بتحريض بخّاش، وبالتالي لا يمكن المحامي الدفاع عن الطرفين في الآن نفسه.
وقد أُرجئت الجلسة إلى ١١ كانون الأول. وقبل انعقاد جلسة المحاكمة، كان قد صدر القرار الاتهامي ضد حُبلص ومجموعته.
أسلوب مبتكر وحديث، يواكب العصر، للتخفّي من وجه العدالة، طبّقه الشيخ خالد محمد، الملقّب بـ «خالد حُبلص»، ما سجّل سابقة قد يُحتذى بها ممن هو في وضع مشابه. بهذه المقدمة افتتح قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قراره الاتهامي الذي صدر بحق حُبلص وتسعة متّهمين آخرين. الشيخ الملاحق من الأجهزة الأمنية، رأى أن الطريقة المُثلى لعدم توقيفه تكون بتغيير ملامح وجهه عبر جراحة تجميلية. ولهذه الغاية، حلق لحيته، وصَبَغ شعره بلونٍ جديد، ثم توجّه إلى مركز تجميل نادر صعب ليخضع لعمليات غيّرت ملامح وجهه قبل أن يعود إلى طرابلس. وقد ردّ حُبلص على سؤال قاضي التحقيق بشأن نجاح العملية قائلاً: «صراحة، عندما نظرت إلى المرآة لم أعرف نفسي، حتى إني صرت أتجول بكل راحة بال في طرابلس، وقرب قصر العدل، وأرمي التحية على من أصادفه من رجال الأمن في الشارع قائلاً: كيفك يا وطن». غير أن الملامح الجديدة للشيخ واسمه المُنتَحل، لم يُسعفاه طويلاً، إذ أوقفه فرع المعلومات. أفاد حُبلص في التحقيق الأولي بأنه «بحكم مسؤولياتي كإمام مسجد وخطيب كنت أتناول في خُطبي ما تتعرّض له الطائفة السنية من إحباط بسبب محاسبة طرف لبناني وترك آخر من دون حساب. وهاجمت نظام الأسد وأيّدت الثورة. وهذا الخطاب أكسبني شعبية، ولَمَع اسمي». يُكمل حُبلص: «ولدى تسارع الأحداث، أعلن الشيخ سالم الرافعي من على المنبر تشكيل «المجلس العسكري لأهل السُّنة»، ودعوت أنا شخصياً الناس إلى حمل السلاح للدفاع عن منازلهم. ورحت أنسّق عمل المجموعات المسلّحة الموجودة أصلاً، وكان هدفي أن تصبح طرابلس ذات خصوصية أمنية تماماً مثل الضاحية الجنوبية.
عدّد حُبلص المجموعات المسلحة التابعة له، كاشفاً أن إحداها الخاصة بأسواق طرابلس كانت تابعة للشيخ الرافعي. وذكر حُبلص أن اثنين من مساعدي أحمد الأسير درّبا بعض عناصر هذه المجموعات، وهما أبو أحمد الصيداوي وأبو خالد اللذان استأجر لهما حُبلص منزلاً في بحنين. وأفاد بأنّه بعد نحو أربعة أشهر من أحداث عبرا، “قمت بتأمين مسكن للشيخ الأسير وعائلته في باب التبانة، ولدى تطبيق الخطة الأمنية نقلته إلى شقة أخرى في بحنين مع عائلته وبعض مرافقيه”. وبخصوص سلاح المجموعات، ذكر أنّه اشتراه من تجار الأسلحة، كاشفاً أن الأسير كان يدفع ثمن السلاح. وكشف أن أبو أحمد الصيداوي اشترى كمية كبيرة من المواد الأولية التي تُستخدم في صناعة المتفجّرات، مشيراً إلى أنّ بعض عناصر الأسير عملوا على تجهيزها كعبوات ناسفة في أحد المنازل في سهل عكار. وعن أحداث المنية، ذكر أنه «مع بدء معركة الأسواق (في طرابلس)، بدأت أتلقى العديد من الاتصالات والشكاوى من أهالي تلك المنطقة للمساعدة بفك الحصار الذي فرضه الجيش، فقمت بالطلب من مناصريّ قطع الطرقات في المنية للضغط على الحكومة اللبنانية لمعالجة الوضع، وأصدرتُ تسجيلاً صوتياً، فقُطعت الطرق. وأمام أفران لبنان الأخضر، أطلق أحد العناصر النار على شاحنة للجيش وأصاب عدة عناصر. واستُهدِفت ملالة للجيش وسقط من فيها بين قتيل وجريح. وبحلول الظلام، بدأ عناصر المجموعات في المنية وبحنين ينسحبون إلى البساتين المجاورة، وانسحبتُ بدوري مع مرافقين تابعين لي واختبأنا ثلاثة أيام. اتّصلت بعدها بشقيقي الذي أحضر بيك أب معدّاً لنقل الخضار ونقلنا إلى البداوي».
في التحقيق الاستنطاقي، أدلى حبلص بأن لديه مجموعات مسلحة، مثله مثل بعض رجال الدين وبعض السياسيين، وأن عدد مجموعاته أربعة، تشمل نحو خمسين عنصراً. واعترف بأنّه استعمل هوية مزوّرة باسم ابن زوج والدته هيثم القبوط لدى طبيب التجميل نادر صعب. وردّاً على سؤال قاضي التحقيق إن كان صعب على علم بهويته وبالغاية من عملية التجميل، أجاب بالنفي. لم يكن حُبلص وحيداً لدى توقيفه، بل كان برفقته أمير الكردي الذي ذكر أنّه تعرف إلى حُبلص منذ ٩ أشهر، كاشفاً أن الأخير كان يتردد إلى محله في باب الرمل. وذكر الكردي أن حبلص طلب منه تأمين لقاء له مع أسامة منصور، كاشفاً أن أحد أتباع الشيخ الرافعي تولّى تنسيق الموعد حيث اجتمع حبلص ومنصور في محل الكردي. وبنهاية الاجتماع، وخلال إيصالي الشيخ حُبلص إلى مسجد، جرى توقيفنا. ونفى انتماءه إلى أي مجموعة عسكرية. غير أن مجرد تدبير اللقاء وسماحه لمطلوبين بالاجتماع خفية في محله يشكل جُرم مساعدة شخص مطلوب بالتواري عن وجه العدالة.
المدعى عليه خالد عكوش اعترف بأنه شكل مجموعة مسلحة، كاشفاً أنه تلقى تدريبه على يد الصيداوي. وتحدث عن تجهيز مختبر في غرفه له في سهل عكار، سمح فيها بنقل متفجرات وغالونات أسيد إليها. غير أنّه لدى ملاحظته أن الصيداوي يُريد تجهيز عبوات ناسفة، أوقف التعاون معه. أما المدعى عليه فادي عكوش، فذكر أنّه شارك بتأليف مجموعة مسلحة، مشيراً إلى أنه أنزل غالونات أسيد من بيك أب كان يقوده توفيق عكوش الذي جلب بنادق كلاشنيكوف ونقل خمس عبوات ناسفة. ونقل المدعى عليه مفروشات إلى شقة في ضهور بحنين لإيواء الشيخ الأسير وعائلته، ثم نقلهم لاحقاً إليها. واعترف أيضاً بأنّه هرّب الأسير أكثر من مرة وشارك في تخبئته. أما المدعى عليهما عبد الناصر وعلاء عكوش، فقد نفيا مشاركتهما في قتال الجيش، إلا أن علاء نقل أثاث منزل بتكليف من شقيقه فادي من التبانة إلى بحنين، ثم نقل عائلة بسيارة أجرة (تبين لاحقاً أنه الأسير وعائلته). أما المدعى عليه أسامة بخاش، فكان يُعطي دروساً دينية بمسجدي هارون والإمام علي، ثم قاتل في سوريا في صفوف «أحرار الشام» لمدة ثلاثة أشهر. ولدى عودته، طلب إليه الشيخ الالتزام معه وتدريب بعض عناصر المجموعات. وشارك بقتال الجيش حيث استخدم بندقية قناصة ليطلق النار مع آخرين باتجاه الجيش.
الإعدام لحُبلص
يحرص قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا على تقسيم المدعى عليهم إلى مجموعات تتدرجّ من حيث التورط الجُرمي. وقد انتهج أبو غيدا ذلك بداية في ملف أحداث عبرا الذي قسم فيها المجموعات إلى أربع مجموعات. كذلك فعل في قراره الاتهامي في قضية حبلص ومجموعته. ففي ختام القرار الاتهامي، قسم القاضي أبو غيدا المدعى عليهم إلى أقسام ليميّز بين المتورط الرئيسي في الجرم أو المتدخّل فيه بشكل هامشي، فقرر العقوبة القصوى التي تصل إلى الإعدام ضد المدعى عليهم خالد حُبلص وخالد وعبدالناصر وعلاء عكوش وأسامة بخّاش، باتهامهم بالجناية المنصوص عليها بالمادة ٣٣٥ و ٥٤٩ و٥٤٩/٢٠١ من قانون العقوبات والمادتين ٥ و ٦ من قانون الإرهاب، وهي مواد تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام. فيما ظن بالمدعى عليه محمد القادر بالمادة ٢٢١ و ٤٦٣ من قانون العقوبات وتخلية سبيله لقاء كفالة مالية. كذلك ظن أبو غيدا بالمدعى عليهم أمير الكردي وأحمد المصري ومحمود أبو عبد بموجب الجنحة المنصوص عنها بموجب المادة ٢٢٢ عقوبات وتخلية سبيلهم مقابل كفالة مالية. كذلك منع المحاكمة عن المدعى عليه محمود عكوش لعدم كفاية الدليل، طالباً إطلاق سراحه من دون كفالة.
(الأخبار)