الأخطاء السعوديّة ثريا عاصي
تتوارد الأخبار عن القتل والهدم في دنيا العرب وعن الهِجران، حيث تجد في هذا الزمان يد آل سعود في كل وقيعة من وقائع العرب، كأنّهم علّة باطنية في الكينونة العربية تمنع نموّها وتتسبب بتشوّهها، نتيجة لسلوكهم نهجاً يبرّر لهم أن يقطعوا الشجرة ليأكلوا ثمرها. وهم لا يزرعون !
خذ إليك الأحداث التي عصفت بلاداً عربية منذ أن نادى في الناس مناد الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية حيّ على الثورة، حيّ على الحرية، حيّ على الديمقراطية. استجاب لهم آل سعود، فكانوا في عاصفة الصحراء على العراق، وإلى جانب الحكومة الفرنسية في تحطيم ليبيا، وهاجموا سوريا من الأردن جنوباً، ومن لبنان شرقاً ومن تركيا شمالاً ! الهدف كان دائماً سفك الدماء، ترويعاً للناس وإكراهاً لهم على الافتراق والنزوح، بالإضافة إلى التدمير وإلى خلق أمر واقعٍ جديد حتى لا يعود المنفيّ من منفاه، حتى تطوى صفحة الماضي البعيد والقريب نهائياً. لا عودة إلى الوراء. قـُطعت الأشجار !
يحسن بنا في هذا السياق أن نلاحظ أنّ جماعات من « المثقفين والمفكرين» العاطلين وجدوا المناسبة سانحة للظهور مرة ثانية، ففضّلوا غضّ النظر عن هياج آل سعود، وأصمّوا آذانهم عن ضرب المعاول والقطّاعات والسيوف، وعن البكاء ونحيب الأطفال، وتعويض الوقت الذي أضاعوه في السُبات. أو إنّهم أمضوه يتسكعون على عتبة ضابط مخابرات أو ينتظرون على بوابات القصور. وجدوا المناسبة سانحة للتبخير، حتى لا يرى الناس ما يجري على أرض الواقع ولا يكتشفون الفاعلين وأساليب فعلهم وأهدافهم الحقيقية، فعقدوا الندوات في أبهاءِ الفنادق في باريس واسطنبول ومشيخة قطر ليتدارسوا في غَـوى ضباط المخابرات وفي عُصاب الأقليات المذهبية، بحسب زعمهم، فوصموا الذين يحتجون على التمييز المذهبي بالعصبية المذهبية. لم ينظروا إلى جذع الشجرة المقطوع، وإنّما هوّلوا فساد الثمر.
غريب أمر آل سعود، كانوا على الدوام رأس حربة ضدّ القومية العربية بما هي مشروع تضامني في مواجهة الاستعمار. تحالفوا مع شاه إيران الشيعي لضرب حركات التحرر الوطني في شبه الجزيرة العربية. تآمروا بقصد إفشال الوحدة بين مصر وسوريا. جنّدوا المرتزقة من أجل قتال الجيش المصري في اليمن. تواطؤوا مع الإسرائليين في حرب حزيران 1967، حتى هزموا الناصرية وأجبروا مصر على التخلي عن مشروع القومية العربية. أغووا السلطة السورية في لبنان وفصائل من حركة التحرير الفلسطينية، إلى حد أنّ الأخيرة وافقت على محو مخيم تل الزعتر وعلى اختطاف المناضل ناصر السعيد (مذكّرات المسؤول الفلسطيني أبو موسى )، وحاولوا التفرّد بالسلطة في لبنان، وظنّوا بعد غزو واحتلال العراق أنّ طريق دمشق صارت مفتوحة أمام كتائب «الإخوان» .
تشاء الصدفة اليوم أن يتعرّض المسلمون في آنٍ واحد، إلى امتحانٍ صعب في القدس وفي مكة معا. لا شكّ في أنّ المستعمر الإسرائيلي رسم خطة لبناء هيكل يحاكي هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، في إطار إصراره على تجسيد أسطورة تناسل «الشعب المختار» والرجوع في التاريخ بضعة آلاف سنة ! ليس مستبعداً في موازاة ذلك أيضاً أن يكون تشغيل رافعة آل سعود التي سقطت في الحرم المكّي على رؤوس المصلين أن يكون هذا التشغيل ضمن مشروع تجديد فتح مكة وفرض المعتقد الوهابي ـ الحنبلي ! واستثاء ما عداه. بمعنى آخر حرمان المسلم من التوحّد في تفكّره وفي ارتقائه الروحي نحو وحدانية الخالق. أي منعه من التحرر من عبودية الإنسان ومن تهذيب الذات !
فما يثير الدهشة إلى حدّ الذهول هو تتابع الحوادث المأساوية في مدينة مكة، المدينة الإسلامية المقدسة على شكل حريق في فندق كبير هنا، انزلاق تربة هناك وآخرها تدافع الحجاج وسقوط حوالى ألف قتيل، نصفهم من الإيرانيين، التكتّم على الجثامين، استخدام الجرّافات في رفع الجثث، الإصرار على مواراتها في مدافن جماعية في الصحراء.
من البديهي أنّ هذا كله، دليل ساطع على عدم الاستقرار، على أنّ الأوضاع تتأرجح، وأنّ مملكة آل سعود تتداعى. يجب أن لا ننسى أنّ الأخيرين يتحمّلون نفقات حرب على اليمن وعلى سوريا، تتطلّب أعداداً متضاعفة على نحو متزايد، وحسابات للشركات الأمنية، وللجيوش الأجنية، وشراء كميات كبيرة من السلاح ! لم يوقف تخريب ليبيا وإسقاط دولتها، عمل شركات استغلال النفظ. الدول الغربية التي احتلّت السماء تحت حجة محاربة «داعش»، تشتري النفط من هذه الأخيرة !
(الديار)