مقالات مختارة

كيري الذي لا يريد: باراك ربيد

 

منع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مؤخرا انعقاد لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذلك حسب ما يدعي مسؤولون في السلطة الفلسطينية. أما المسؤولون الإسرائيليون المطلعون على تفاصيل الاتصالات لعقد اللقاء فقد أكدوا الأمر. وقال الناطق بلسان الخارجية في واشنطن جون كيربي ان «التفاصيل غير دقيقة».

وكان عباس التقى يوم الاثنين الماضي بأربعة سفراء إسرائيليين متقاعدين. وادعى في اللقاء بانه في الاسابيع الاخيرة أعرب عن استعداده للقاء نتنياهو ولكن «جهة ثالثة ليست إسرائيلية» هي التي منعت عقد اللقاء. ويكشف المسؤولون الفلسطينيون والإسرائيليون النقاب عن أنه من خلف تلميحات عباس تقف حالة حصلت هذا الشهر.

منذ بضعة اسابيع ونتنياهو يطلق رسائل لعباس على الملأ ومن خلال مبعوثين رسميين وغير رسميين حول رغبته في اللقاء به والبحث في امكانية استئناف المسيرة السلمية. وقد فعل نتنياهو ذلك عقب تخوفه من مبادرات سياسية لجهات في الساحة الدولية، عقب التصعيد الامني في المناطق، وكذا على خلفية تهديدات الرئيس الفلسطيني بالاعلان في خطابه في الأمم المتحدة عن اعادة النظر أو تعليق قسم من المواد في اتفاقات اوسلو.

في اطار نقل الرسائل بين نتنياهو وعباس، حاول مصدر ليس أمريكيا المبادرة إلى لقاء بين الزعيمين. واستجاب الرئيس الفلسطيني للمبادرة، ولكنه رغب في اطلاع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على الامر والتشاور معه. ويدعي مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون بان كيري طلب من عباس إلا يعقد اللقاء وان ينتظر بضعة اسابيع حتى اللقاء المخطط له بينهما (كيري وعباس) في الجمعية العمومية للامم المتحدة. وقد عقد اللقاء امس في اثناء الليل وانتهى بعد اغلاق هذا العدد.

ليس واضحا على الاطلاق ما هو السبب لهذا الطلب الاستثنائي لكيري من عباس. فقد كان وزير الخارجية الأمريكي العنصر الاساس في الاسرة الدولية الذي حاول في السنوات الاخيرة دفع المسيرة السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين. ويدعي مسؤولون فلسطينيون بان كيري لم يرغب في أن يعقد اللقاء بين نتنياهو وعباس دون مشاركة أمريكية وأكثر من ذلك دون وساطته الشخصية. وحسب رواية اخرى، لمحافل إسرائيلية، فقد كان كيري لا يزال منشغلا بتمرير اتفاق النووي مع إيران في الكونغرس ولم يكن بوسعه ان يكرس وقتا للموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وشككت مصادر أمريكية بالطريقة التي وصف فيها عباس ومقربوه الاحداث وادعوا بان الامر بدا كمحاولة فلسطينية لالقاء المسؤولية في أن عباس غير معني باللقاء مع نتنياهو على الولايات المتحدة.

أما ادعاءات المسؤولين الفلسطينيين حول طلب كيري من عباس إلا يلتقي نتنياهو في هذه المرحلة، فلا تعني ان وزير الخارجية الأمريكية غير معني بالعودة إلى الاهتمام بالمسيرة السلمية الإسرائيلية ـ الفلسطينية. عمليا، رغم أنه بشكل رسمي لا يزال البيت الابيض يعلن بان الادارة تجري اعادة تقييم لسياستها من المسيرة السلمية، يدعي موظفون إسرائيليون وأمريكيون كبار بانه عندما يكون الاتفاق النووي مع إيران قد اجيز في الكونغرس ويوجد في مرحلة التطبيق، فان كيري معني بان يشرع في الجهود لاحداث اختراق في المسيرة السلمية.

وقال موظف أمريكي كبير طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع السياسية ان «وزير الخارجية معني بالعودة للاهتمام بهذا الموضوع. وكجزء من اعادة تقييم سياستنا، يتحدث كيري مع طيف واسع من الخبراء والمحافل ذات الاهتمام بالمسألة كي يفهم على نحو افضل الامكانيات التي توجد أمامه».

أحد هذه المحافل ذات الاهتمام بالموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والذي تحدث معه كيري كان رئيس المعارضة النائب اسحق بوجي هرتسوغ. فاللقاء الثنائي الذي عقده الرجلان قبل عشرة ايام في لندن انحصر تقريبا بالمسيرة السلمية. واشارت مصادر إسرائيلية مطلعة إلى أن كيري لم يأتِ مع خطة متبلورة، ولكنه أوضح لهرتسوغ بانه يرغب في خوض محاولة اخرى للتقدم في المسيرة السلمية. وفي اللقاء طرحت ايضا مواضيع سياسية داخلية. فقد اهتم وزير الخارجية الأمريكي بمعرفة كم مستقرة هي الحكومة في إسرائيل وما هو مجال المناورة السياسية لنتنياهو مع الائتلاف الحالي.

وحسب أحد المصادر الإسرائيلية التي اطلعت على مضامين اللقاء، فقد تحدث هرتسوغ وكيري ايضا عن سيناريو حكومة وحدة في إسرائيل. وفي حديث مع «هآرتس» نفى هرتسوغ بشدة ذلك وقال ان موضوع حكومة الوحدة لم يطرح على الاطلاق. ولم ينفِ موظف أمريكي كبير الامر تماما، ولكنه اوضح بانه في اللقاء في لندن استمع كيري إلى اقوال هرتسوغ اساسا.

«كيري قال في اللقاء انه والادارة الأمريكية لا يعملان على اعطاء نصائح في الشؤون السياسية الداخلية في إسرائيل. هذا بالمطلق في يد الشعب في إسرائيل والزعماء الإسرائيليون هم الذين يقررون كيف يكون شكل حكومتهم».

وحتى لو لم يعترف كيري بذلك علينا، فان تشكيل حكومة وحدة في إسرائيل وانضمام المعسكر الصهيوني إلى الائتلاف كفيل بان يعطي دفعة لمبادرة سلام متجددة معني بالتقدم بها. وقال مصدر إسرائيلي انه «اذا كانت حكومة وحدة في إسرائيل فان كيري سيكون بوسعه ان يذهب إلى اوباما ويقنعه بانه رغم اخفاقات الماضي، ثمة معنى لاستثمار السنة المتبقية حتى انهاء ولايته في محاولة اخرى لدفع اتفاق سلام إسرائيلي ـ فلسطيني إلى الامام».

ولكن قبل أن يحاول كيري استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، فانه معني بوقف التصعيد الامني في القدس وفي الضفة الغربية وبمنع أزمة سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الجمعية العمومية للامم المتحدة. ويستهدف اللقاء مع عباس هذه الليلة محاولة تهدئة الرئيس الفلسطيني واقناعه بتلطيف حدة الخطاب الذي سيكون امام الجمعية العامة يوم الاربعاء باكبر قدر ممكن.

في الاسابيع الاخيرة قال عباس ومقربه صائب عريقات انه لن تتخذ قرارات قبل اللقاء مع كيري وانهما ينتظران السماع أي أفكار أو اقتراحات يجلبها معه وزير الخارجية الأمريكي. واحدى الافكار التي فكر بها كيري كـ «قرص تهدئة» للرئيس الفلسطيني هي بيان عن نقل منحة أمريكية بمقدار 300 مليون دولار للسلطة الفلسطينية لغرض استقرار ميزانيتها المتناقصة.

يوم الاربعاء، بالتوازي مع خطاب عباس في الجمعية العمومية للامم المتحدة، سيشارك كيري في لقاء قمة يعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ويشارك فيه وزراء خارجية الرباعية ـ الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ـ في موضوع المسيرة السلمية.

وخلافا للماضي، سينضم إلى اللقاء وزراء خارجية مصر، الاردن والسعودية، وكذا وزراء خارجية الصين، بريطانيا وفرنسا الذين هم اعضاء دائمون في مجلس الامن.

ويوم الجمعة يلتقي كيري في نيويورك برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وسيكون هذا أول لقاء بين الرجلين منذ زمن بعيد وهو يستهدف ايضا اعداد اللقاء الذي سيعقد بين نتنياهو والرئيس اوباما في البيت الابيض في 9 تشرين الثاني. وسيستغرق اللقاء بضع ساعات ويعنى إلى جانب الموضوع الإيراني بالموضوع الفلسطيني ايضا.

وبعد اللقاءات مع عباس ونتنياهو، مع نهاية الاسبوع، سيكون بوسع كيري أن يقدر على نحو افضل إذا كان هناك مع من يمكن الحديث وأن هناك ما يمكن الحديث فيه.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى