الحريري المأزوم يشكر نصرالله؟!! ابراهيم ناصرالدين
طبعا لم يقطع رئيس مجلس النواب نبيه بري عطلة عيد الاضحى لمعالجة تداعيات رد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لم تبد عليه اي علامات قلق من تأثيرات محتملة لهذه «التغريدات» على الوضع الامني في البلاد، اوعلى مستقبل الحوار الثنائي بين الحزب «والتيار الازرق»، هو يتفهم جيدا حراجة موقفه في السعودية، ولا يظن انه سيكون لهذا الامر تأثيرات مباشرة في بيروت. قيادة حزب الله بدورها لم تعر هذا الكلام اي جدية تستأهل البناء على مواقفه لاتخاذ قرارات «استراتيجية»، ولن تتجاوز الردود عليه بضع كلمات في مجالس تأبينية مناطقية، «فالرجل مأزوم» وجاءت مواقف السيد نصرالله لتعطيه فرصة للفت انتباه القيادة السعودية انه لا يزال موجودا، انه في مرحلة حرجة داخل المملكة، كلامه ليس موجهاً الى الحزب، يريد لصوته ان «يلعلع» داخل اروقة القصور في المملكة، يريد ان يقول انه ما يزال مفيدا اقله اعلاميا في مرحلة تمارس فيها القيادة السعودية «تطنيشا» غير مسبوق مع حلفائها الرئيسيين والهامشيين على الساحة اللبنانية، حتى بات السؤال الاكثر تردادا عند هؤلاء هل لم تعد السعودية مهتمة ومعنية بلبنان كما في السابق؟ هل اثرت حرب اليمن الدائرة على حدودها في اهتمامها بمصالحها ونفوذها في لبنان؟
اوساط مطلعة على وضع الحريري الصعب في السعودية تشير الى ان رسالة رئيس تحرير مجلة لبنانية تعيش على «المكرمات» السعودية إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي حملت عنوان لماذا تخلت المملكة عن المسلمين في لبنان؟ تشكل تعبيرا صادقا عمّا يدور في خلد رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، فما ورد في متن «رسالة التسول» من قول ان مؤسسات لبنان الخاصة والعاملة في الحقل العام، والمدعومة من المملكة تعاني وتطلب العون، ليصبح الأشد غرابة انها لا تلقى أي رد إيجابي من الرياض أو من جدة»، تجسد حقيقة الوضع «البائس» لرئيس «التيار الازرق» في الممكلة، غير المكترثة للوضع المالي الصعب لحلفائها في بيروت حتى باتت التساؤلات اكثر عمقا حول استراتيجية «التخلي» السعودية في لبنان.
هذه الاسئلة تسمعها قيادات في تيار المستقبل ليل نهار من قبل انصار «التيار» في مختلف المناطق اللبنانية، تنقل الاسئلة الى قيادات الصف الاول فلا يأتي اي جواب، تطول فترة الانتظار، فيتحول السؤال الى «حنق» و«غضب» يترافق مع خلاصات شديدة الوضوح تصل خطيا وشفهيا،» لا تسألونا عن انفضاض الناس من حولنا، وعن تراجع الحاضنة الشعبية، الناس يشعرون بالعوز، لا مساعدات ولا اموال، ولا وضوح في الرؤية السياسية، الخسائر تتراكم محليا واقليميا، الشعور بالقلق يدفع هذا الجمهور الى الارتماء في «احضان» التيارات الاسلامية المتطرفة، والبعض الاخر اختار الالتحاق «بسرايا المقاومة»، ليس عن تغيير في القناعات، ولكن سعيا للحماية، ورغبة في تأمين دخل مالي مضمون في نهاية الشهر». الحريري يدرك جيدا مأساوية الوضع لكنه غير قادر على تغيير الوقائع، لا «يخلط» بين حساباته المالية الشخصية وبين» الشأن العام، طبعا هذه القاعدة تطبق عندما يتعلق الامر «بالصرف» فقط، فهو يخشى فتح «خزائنه» خوفا من «التفليسة»، طلب منذ مدة مساعدة فورية لتغطية العجز في مؤسساته الاعلامية، ولم يتلق جوابا، فتلفزيون «المستقبل» بدأ قبل عامين بصرف العشرات من موظفيه، ولم يتلق العشرات من موظفيه منذ شهور عديدة رواتبهم، وكذلك الأمر في جريدة «المستقبل». والرياض لم تتدخل حتى عندما انتقلت العدوى الى مؤسسات اعلامية موازية.
اما الاسباب فهي واضحة ولا تقبل الشك، تقول الاوساط، أوضاع الحريري في العهد السعودي «السلماني» الجديد لم تعد كما في العهود السابقة، المستحقات المالية لشركته «سعودي أوجيه» باتت تتأخر عند وزارة المالية في الرياض، القرارات السعودية القاسية الأخيرة ضد شركة «مجموعة بن لادن السعودية» بعد حادثة وقوع الرافعة قبل موسم الحج بايام قليلة، زادت من حجم المخاوف لدى ادارة شركة «سعودي أوجيه» التي لا يتمتع رئيسها بعلاقات قوية مع رمزي العهد السعودي الجديد ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اولا لأسباب شخصية، وثانيا لاسباب سياسية تتعلق بعدم وثوقهما بانه قادر على قيادة «سفينة» المصالح السعودية في بيروت، وهما يحملانه مسؤولية تراجع الحضور والنفوذ السعودي على الساحة اللبنانية.
في المملكة ثمة من يحمله مسؤولية الاخفاقات، وهناك يتحدثون عن قدراته الشخصية غير المتناسبة مع ادارة ملف بهذا الحجم، يقولون انه سبب مباشر في اضعاف موقع رئاسة الحكومة رغم الجهد الذي صرف لاقرار الطائف وتعزيز الموقع الرسمي السني في ادارة البلاد، وثمة من يحمله مسؤولية مباشرة عن الخروج المبكر للتأثير السعودي من الازمة السورية بعد اخفاقه في دعم «الثورة» السورية انطلاقا من الساحة اللبنانية، والاخطر من ذلك اتهامه باضعاف تيار والده الذي صرفت عليه اموال طائلة، والنتيجة «صفر». فلماذا اذا الاستمرار في ضخ اموال تذهب «ادراج الرياح»، المستفيدون حلقة ضيقة، فيما الجمهور السني بات في مكان آخر.
وامام هذا التدهور الخطر تفيد المعلومات بان الرئيس فؤاد السنيورة تدخل قبل فترة في محاولة منه لكسر الجمود القائم فقام بالتواصل مع السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري لمحاولة فصل العلاقة الشخصية بين «ولاة الامر» في المملكة مع الرئيس الحريري، وبين علاقتهم بتيار المستقبل، لكن العسيري ابدى التزاما بدوره الوظيفي، رافضا التدخل في ملف «شائك» لا يريد ان يتسبب له بـ «صداع» هو بغنى عنه، لكن ذلك لم يمنع الدبلوماسي من الشكوى بأن محدودية الإمكانات المالية المصروفة له «كبلت» يديه هو الاخر، ولم يعد يستطيع تلبية احتياجات الكثير من المؤسسات والاشخاص الذين اعتادوا «مساعدات» المملكة، لكنه اوحى لمحدثه بان ثمة مراجعة قريبة لاستراتيجية السعودية في المنطقة ستشمل لبنان.
لكن وبحسب تلك الاوساط، الكلام عن مراجعة سعودية لسلم اولوياتها في المنطقة ليس جديدا، وتحول بالنسبة الى كثير من «الحلفاء» الى «طبخة بحص» في ظل عدم وجود سند قوي يمكن الركون اليه لتأكيد هذه المعلومات التي ينطق بها اصحابها اما «حياء» او «كذبا». وحتى تنقشع هذه «الغيمة» من سماء علاقة المملكة مع حلفائها سيبقى «صراخ» الرئيس الحريري عاليا، يأمل ان يصل صوته الى المعنيين في المملكة عله يستعيد ثقتهم به باعتباره واحدا من اكبر المدافعين عنها في مواجهة «المد الفارسي»، ولانه «بالشكر» تدوم «النعم»، وبعد شكر الله، يبدو واجبا على الحريري ارسال برقية شكر الى السيد نصرالله لانه يتيح له الفرصة بين الفينة والاخرى لتجديد «العهد والولاء والبيعة»الى من بيدهم امر الافراج عن «المكرمات».
(الديار)