بوتين يتفهّم نتنياهو سورياًً.. ولا يطمئنه! معلومات استخبارية وآلية لمنع الاحتكاك حلمي موسى
ثلاث نقاط أساسية يمكن التوقف عندها بشأن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس، الى موسكو ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أولها أن موسكو بدت غير مقتنعة بمحاولة الاسرائيلي التشويش على الدور الروسي المتصاعد بإثارة مخاوف إسرائيل حول إمكانية فتح «جبهة الجولان»، وثانيها أن نتنياهو عرض في اطار «آلية التنسيق» مع موسكو، امكانية تزويدها بمعلومات استخبارية في اطار مهمهتا السورية الجديدة، وثالثها أن اي موقف روسي لم يصدر حول امكانية السماح لاسرائيل، كما طلب نتيناهو، بمواصلة اعتداءاتها الجوية على الاراضي السورية بحجة منع انتقال سلاح كاسر للتوازن، الى سوريا و «حزب الله».
وقال نتنياهو، في مستهل اجتماعه مع الرئيس الروسي في موسكو، إنه اهتم بالحضور لمقابلة بوتين «من أجل توضيح سياستنا، وأيضاً لتسهيل ألا يقع أي سوء فهم بين قواتنا».
وقد ردّ بوتين على مطالب نتنياهو، التي تضمنت رغبة في التفاهم على تسهيلات لإسرائيل إذا ما جرى تجاوز لخطوطها الحمر، قائلا إن نشاطاتنا في الشرق الأوسط تحلت على الدوام بالمسؤولية الفائقة.
وتوجه نتنياهو نحو بوتين قائلا «أنا أقدر عالياً فرصة التحادث معك. فلإسرائيل وروسيا مصلحة مشتركة في ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط. وأنا هنا بسبب الوضع الأمني، الذي يزداد تعقيداً على حدودنا الشمالية. وكما تعلم، في السنوات الأخيرة، وبحدة أكبر في الشهور الأخيرة، إيران وسوريا تسلحان التنظيم الإرهابي الإسلامي المتطرف، حزب الله بأسلحة متطورة، موجهة ضدنا. وقد سبق وأطلق، على مر السنين، آلاف الصواريخ، على مدننا. وبالتوازي، فإن إيران، تحت غطاء الجيش السوري، تحاول بناء جبهة إرهاب ثانية ضدنا في الجولان. إن سياستنا هي إحباط نقل هذه الأسلحة، وأيضاً منع نشوء جبهة إرهابية وعمليات ضدنا من هضبة الجولان».
وأضاف نتنياهو «أنا ملزم بأن أقول لك كلمة أخرى. سواء بنبرة شخصية أو من منطلق قومي في كل الاتصالات بيننا، سواء اتفقنا أو لم نتفق، كان الحوار بيننا يدور على الدوام باحترام وبشفافية. وأنا واثق أن هكذا سيكون الحال هذه المرة أيضاً».
وردّ بوتين على كلام نتنياهو بإيجابية، قائلا «إنني ولا مرة أنسى أن في دولة إسرائيل يعيش الكثير جداً من مهاجري الاتحاد السوفياتي سابقاً، ولهذا أثر خاص على العلاقات بين الدولتين. وكل نشاطات روسيا في المنطقة تحلت على الدوام بمسؤولية فائقة. ونحن ندرك مسألة القصف على إسرائيل، وندين كل قصف كهذا. ونعرف أن هذا القصف يتم باستخدام منظومات يدوية».
وبشأن المخاوف من الوضع في سوريا، قال بوتين أيضا لنتنياهو «إننا نعلم أن الجيش السوري في وضع كهذا ليس مؤهلاً لفتح جبهة جديدة. وهدفه الأساسي هو الدفاع عن الدولة السورية. ومع ذلك، فإنني أفهم قلقك، وأنا مسرور جداً أنك حضرت لبحث كل هذه المسائل بشكل مفصل».
وقال نتنياهو، بعد محادثاته مع بوتين، إنه أتى بهدف «منع أي سوء فهم بين وحدات الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية» في سوريا. وأضاف إنه اتفق مع بوتين «على آلية لمنع حدوث سوء تفاهم».
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن نتنياهو حمل معه ما يشبه صفقة رزمة تبادلية، تتضمن قيام إسرائيل بتقديم معلومات استخبارية لموسكو، مقابل إحباط الروس لمحاولات تنفيذ عمليات «إرهابية» ضد إسرائيل.
وأشارت مصادر أمنية إسرائيلية إلى أنه إذا توفرت لإسرائيل معلومات دقيقة حول نيات جهات معادية تنفيذ هجمات ضد أهداف روسية، أو إذا توفرت معلومات عن أشخاص يبحث عنهم الروس، فإن الاستخبارات الإسرائيلية يمكنها تقديم هذه المعلومات ضمن الاحتياطات اللازمة. وقالت إن نتنياهو ينوي الطلب من بوتين ألا تتجاوز قواته عدة خطوط حمراء: ألا يتم نقل أسلحة كاسرة للتوازن، وألا يتم استخدام أو نقل سلاح كيميائي، وألا تتم عرقلة مساعي إسرائيل لإحباط عمليات إرهابية موجهة ضد جنودها والإسرائيليين.
وأكد مصدر إسرائيلي آخر، لموقع «والا» الإخباري، أن «إيران ستكون في صلب المحادثات. فهي التي تمول الإرهاب وتحركه ضد إسرائيل من الأراضي السورية». وأشار إلى أن اللقاء قد يوفر فرصة لكبح النشاطات ضد إسرائيل «عبر الروس، بما في ذلك نشاطات حزب الله».
وكانت مصادر أمنية إسرائيلية قالت إن الجانب الأمني في لقاء نتنياهو وبوتين سيركز على قضايا، بينها ألا تقيد الطائرات ومنظومات الدفاع الجوية الروسية حركة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية واللبنانية. ولهذا الغرض أرادت إسرائيل إقامة آلية تشخيص، وربما تنسيق، لمنع احتكاكات بين الطرفين. وعدا عن الخطوط الحمر المعروفة، قالت هذه المصادر أن إسرائيل مهتمة أيضا بمصير مئات ألوف الدروز في «جبل الدروز» جنوب سوريا، وذلك على خلفية قلق الدروز في إسرائيل والجولان على أبناء طائفتهم.
وفي هذه الأثناء، وعلى خلفية لقاء نتنياهو ـ بوتين أبلغت جهات أميركية رسمية، وكالة «رويترز»، أن طائرات من دون طيار روسية شرعت في التحليق في الأجواء السورية. وقالت إن هذا جزء مما يبدو أنه النشاط العسكري الأول لموسكو في سوريا منذ إنشاء القوة العسكرية الروسية في مطار اللاذقية.
تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن طائرات من دون طيار جاء بعد حديث وصور تتعلق بنشر طائرات «سوخوي» وطوافات في القاعدة نفسها. وتحدثت مصادر أميركية عن نشر الروس في القاعدة دبابات حديثة من طراز «تي 90» وعدة بطاريات متنقلة لصواريخ أرض – جو من طراز «سام 22»، فضلا عن عدة مئات من أفراد مشاة البحرية الروسية. ورغم أن هذه القوات معدّة للدفاع عن القاعدة، إلا أنها في نظر إسرائيل تشكل تحديا لحرية عمل الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية واللبنانية.
في كل حال يرى معلقون إسرائيليون أن رغبة نتنياهو في التفاهم مع روسيا يرجع إلى إيمانه بتراجع الدور الأميركي في المنطقة. وكتب المعلّق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أن زيارة نتنياهو لموسكو تعكس عدم ثقته بقدرة ونيات الولايات المتحدة بالحفاظ على مصالح إسرائيل الأمنية. وإذا كان رئيس الحكومة يعتقد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يدافع عن إسرائيل بما يكفي في الاتفاق النووي مع إيران في فيينا، فإنه يشك فيه في ما يتعلق بالملف السوري. وفي الوقت الذي تعلن فيه وسائل الإعلام في الولايات المتحدة أن أوباما متردد حول تصرفه في أعقاب الخطوة الروسية المفاجئة، ويفكر بالحديث مباشرة مع بوتين، فإن نتنياهو يسبقه ويسافر إلى موسكو بنفسه.
ومن المفترض أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة إلى الولايات المتحدة في 9 تشرين الثاني لإجراء محادثات مع أوباما حول الاتفاق النووي الإيراني.
وكتب البروفيسور إيال زيسر، المتخصص في الشأن السوري في «إسرائيل اليوم»، أن «روسيا، وللمفارقة، في ضوء الضعف الأميركي، تتحول إلى لاعب مهم يستطيع الربط بين الأطراف، الأمر الذي كانت واشنطن فقط تستطيع عمله في السابق. علاقة موسكو الجيدة مع القدس وطهران ودمشق، ومؤخراً مع الرياض والقاهرة، تمنحها الفرصة لأن تلعب دوراً ايجابياً كوسيط يضمن الاستقرار والهدوء. مطلوب من نتنياهو تفسير كل ذلك لبوتين».
(السفير)