مقالات مختارة

القوقاز ثريا عاصي

 

من المحتمل جداً أن تحمل التطورات التي طرأت مؤخراً في ميدان الحرب الدائرة في سوريا دلائل على وجود مُعطيات جديدة، إذ يبدو أنّ أعداداً كبيرة من المقاتلين في سوريا هم من أصول قوقازية. كثيرون منهم اصطحبوا عائلاتهم مما يبرّر الاعتقاد بأنّنا قد لا نكون فقط حيال حرب بالوكالة تشنّها الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية بواسطة المرتزقة والإسلاميين، وبتمويل من آل سعود، وإنما حيال استعمار استيطاني قوقازي.

من الطبيعي إذن أن تتّجه الأنظار نحو منطقة القوقاز، تحديداً إلى المدى الجغرافي الممتد بين تركيا غربا والصين شرقا وجنوب روسيا شمالاً وإيران وأفغانستان وباكستان جنوباً. من البديهي أن تحظى هذه المنطقة باهتمام الدول الكبرى، وبوجهٍ خاص اهتمام الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية التي تسعى إلى أن تفرض نظامها السلطوي الليبرالي المتفلّت من أيّة قيود إنسانية، على العالم، بما هو كيان كلّي.

أضع هذه التوطئة تمهيداً لمقاربة الأوضاع في سوريا ولبنان اعتماداً على ما تتناقله الأخبار حول زيادة الدعم الروسي للحكومة السورية، بالتلازم مع رفع مستوى المساعدة الإيرانية. أغلب الظنّ أنّ الصين تراقب ما يجري في «المجال الحيوي» عن كثَب، لعلّ الخريطة الجغرافية تساعدنا على وضع الأمور في نصابها الصحيح. أي بكلام صريح وواضح إنّ المنازعة في بلادنا هي بين الذين يريدون تطبيع العلاقات مع المستعمرين الإسرائيليين، أملاً بأن يأمنوا شرّ الأخيرين من جهة، وبين الذين يخشون أن تتم التضحية بهم قرباناً على مذبح الصلح بحجة أنّهم مشركون أو مرتدون، من جهة ثانية.

آن الأوان لأن نسمّي الأشياء بأسمائها. إنّ الانقياد لآل سعود وأولادهم المدلّلين في هذا العصر، والدخول في حروب دموية، قبلية وطائفية، هو مسألة تحزّ في النفس وتدمي القلب. إنّ الموقف الروسي من الحرب على سوريا ليس مردّه إلى أسبابٍ عاطفية، وإنما مرجعه إلى تجربتين قاسيتين في كل من أفغانستان والشيشان، حيث جذب الأميركيون الروس إلى هذين البلدين وأوقعوا بهم في وحل الحرب ضدّ الإسلاميين الذين عـُـِبّئوا بمساعدة رجال الدين الوهابيين وأموال آل سعود!

وأغلب الظنّ أنّ القيادة الصينيّة، كمثل الروس، تُساوِرها المخاوف من تدهور الأوضاع في بلاد القوقاز عن طريق استخدام الدين والفوارق الإثنية، فالجميع يدرك أن الحروب الدينية، هي حروب صعبة، قديمة متوحشة بالغة الكلفة. من المؤسف أنّ علينا أن نعترف بأنّ الحرب الدينية المتاحة في هذا العصر هي حرب الإسلاميين، وأنّ الجهة التي تستطيع قدح نارها هي الولايات المتحدة الأميركية حصرياً. فلا غلوّ في القول أنّ القاعدة، وجبهة النصرة، وداعش، وبوكوحرام، جميعها أسلحة تعرف الولايات المتحدة الاميركية رموز تشغيلها.

إذا اتّفقنا على أنّ بلاد القوقاز هي المجال الحيوي لروسيا والصين وإيران وتركيا، اتّضحت لنا الأسباب التي تدعو هذه البلدان جميعاً إلى الحذر الشديد، والى المحافظة على مواقف صلبة فيما يتعلّق بموضوع التدخّل الخارجي في المسألة السورية، لأنّ استقرار الجماعات القوقازية الأصل في سوريا، أو توسّع وديمومة سيطرة داعش على مساحات كبيرة في العراق والشام، علماً أنّ جماعات القوقاز هم في داعش وجبهة النصرة، سينجم عنه حتماً ارتدادات، ليس في الشيشان وأفغانستان وحسب، وإنّما في معظم بلاد القوقاز.

انهزم السوفيات في أفغانستان ولكن هل انتصر الإسلاميون؟ بالقطع لا. الإسلاميون يقتلون، يدمّرون ثم ينهزمون!

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى