بقلم غالب قنديل

دوافع مبادرة بوتين – 1

pottin

غالب قنديل

يتردد سؤال : لماذا اتخذت روسيا قرارها الجريء وفي هذا التوقيت بالذات وهو قرار قد يكون تأخر سنة على الأقل في نظر الكثير من المتابعين في سورية والمنطقة فمنذ إعلان حلف اوباما الافتراضي ضد داعش وجهت نداءات لإطلاق حلف يحارب الإرهاب في المنطقة يضم روسيا والصين وإيران وسورية والعراق والمقاومة إضافة لمن يرغب ( مصر واليمن على سبيل المثال ).

أولا كالعادة ومن غير تبصر يجتر العديد من الكتاب في المنطقة والعالم الرواية الأميركية المبنية على خرافة ” خطر سقوط النظام ” في تفسير القرار الروسي الأخير وعلى الرغم من الوقائع التي تشير إلى ثبات الدفاع السوري في خطوط محصنة صدت في الأشهر الماضية عشرات الهجمات الإرهابية المدعومة عبر الحدود بتغطيات نارية كثيفة وبحشود قادمة من تركيا والأردن قدرت بأكثر من ثلاثين ألفا ووظفت فيها مليارات سعودية وقطرية جديدة .

طبعا يتجاهل جميع المجادلين في العالم حول القرار الروسي ان حلفاء سورية باستثناء حزب الله وخلال خمس سنوات لم يصلوا بمبادراتهم الإسنادية إلى ما بلغه التدخل الأميركي والأطلسي والتركي والخليجي والصهيوني في الحرب على سورية فحلف العدوان بجميع حكوماته أرسل وحدات من مخابراته ومدربيه وقواته الخاصة لدعم عشرات آلاف الإرهابيين والمرتزقة الذين حركهم المعتدون للنيل من سورية وجيشها وشعبها ورئيسها لضرب استقلالها الوطني .

القرارالروسي يفرض تغييرا جوهريا لقواعد الصراع العالمي من سورية عبر مضاعفة الدعم العسكري النوعي للدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة انطلاقا من وضع حد صارم لجميع محاولات الولايات المتحدة التطاول على الشرعية الدستورية والشعبية للرئيس بشار الأسد عبر الاستنزاف المتواصل والابتزاز السياسي منذ لقاءات موسكو ومن بعدها بيان جنيف عام 2012 حيث عمل المخططون الأميركيون للتدخل الاستعماري الواسع وقيادة غرف العمليات ووضعوا إغلاق الحدود ووقف دعم الإرهاب مقابل الخضوع السوري لإملاءاتهم السياسية وهو ما تصدى له الرئيس الأسد بشجاعة وحزم مستندا إلى إرادة غالبية شعبية واضحة وتماسك الجيش العربي السوري ومتانة الدولة الوطنية ورسوخها فما هي العوامل الحقيقية التي تقف خلف القرار الروسي الاستراتيجي الذي يرسم إطارا نوعيا جديدا للمعادلة بالشراكة مع كل من وسرية وإيران وحزب الله .

ثانيا عندما يتحدث القادة والاستراتيجيون الروس عن الحرب على سورية بوصفها أمرا مرتبطا بمستقبل التوازنات في العالم ينطلقون من حقيقة ان الهدف الأميركي المركزي في شن تلك الحرب إحياء عقيدة الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم انطلاقا من إسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد الذي كان الزعيم الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي تجاسر على التصدي للتنمر والطغيان الأميركي بعد احتلال العراق .

يعرف القادة الروس وخصوصا الزعيم فلاديمير بوتين وبالمعلومات لماذا شنت الحرب الكونية على سورية بعد الفشل في أفغانستان والعراق والهزيمة في حرب تموز التي أدرك بوتين قبل سواه وبالشراكة مع قادة محور المقاومة وخصوصا مع حليفه الرئيس بشار الأسد مغزاها الاستراتيجي وانعكاسها على مجال روسيا الحيوي كما بينت حرب جورجيا ويعلم الروس بدقة كيف رمى الأميركيون بثقلهم لحشد عشرات آلاف الإرهابيين و المرتزقة من جميع انحاء العالم وكيف تولى قادة اركان الجيوش الأميركية والاستخبارات الأميركية إدارة غرف العمليات من الأردن وتركيا مباشرة وكيف سخرت للعدوان على سورية قدرات وإمكانات الحكومات التابعة لواشنطن في المنطقة وشتى قدرات الحلف الأطلسي وجمعت فيها اكثر من مئة حكومة تباعا بقيادة وزيري الخارجية الأميركيين هيلاري كلينتون وجون كيري … إنه صراع على المعادلات العالمية الجديدة وروسيا معنية عضويا به ومن حقها المبادرة بعد خمس سنوات إلى تطوير حضورها في المعادلة وبعدما استهلك الصمود السوري جميع محاولات تعديل توازن القوى على الأرض فأحبط هذا الصمود جميع المناورات والمؤامرات الأميركية التي انتجت تحت عناوين الحل السياسي والمبادرات المتعددة التي يعرف الروس خارطتها الجينية بالتفصيل.

ثالثا عندما توصف الحرب على سورية بانها قضية امن قومي روسي لا ينطلق ذلك فحسب من البعد التاريخي الاستراتيجي المرتبط بحقيقة راكمتها الذاكرة الإمبراطورية الروسية في الزمنين القيصري والبلشفي كما تختزنها اليوم عقيدة القيادة الروسية .

إضافة إلى ما تقدم وبعيدا عن هذيان “الجهابذة والفلاسفة” الذين يجترون كلاما هتشكوكيا عممته الولايات المتحدة في حربها النفسية على محور المقاومة من قبيل ماذا كان سيجري في التاريخ الفلاني والتاريخ الفلاني لتفسير القرار الروسي يمكن لمن يريد أن يفهم العودة لخطاب الرئيس بوتين في دوشانبي عاصمة طاجيكستان حيث عقد مؤتمر قمة معاهدة الأمن الجماعي الذي يضم إلى روسيا كلا من بيلاروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان وقيرغيزيستان وأرمينيا وحيث قال الرئيس بوتين للمشاركين في القمة إن خطر داعش وصل إلى أفغانستان حيث يُهدد الفراغ الحاصل بعد مغادرة الجزء الأعظم من القوات الدولية ( الأميركية أساسا ) بتمدد نشاط الإرهابيين وعودة كثيرين منهم إلى روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة وأضاف : إن حشد الجهود لمواجهة الإرهاب بالتعاون مع الحكومة السورية يُعد أساس التسوية السياسية وحل أزمة اللاجئينوانتقل على الفور إلى دعوتهم لمشاركة روسيا في التحرك لصد هذا التهديد الخطير لأمن بلدانهم انطلاقا من سورية وبالتعاون الوثيق مع الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد إذا كان الرئيس الروسي يحشد جواره الإقليمي على قاعدة ان حسم المعركة ضد العصابات الإرهابية في سورية هو عمل استباقي لمنع ارتداده إلى روسيا وجيرانها .

ولمن يريد ان يفهم اكثر يمكن العودة إلى جميع المعلومات الصحافية الغربية المتداولة والمنشورة عن فصائل التكفيريين والقاعديين الشيشان والطاجيك والتركمانيين والقوقازيين التي تضم عشرات آلاف الإرهابيين في سورية ومعهم الإرهابيون الإيغور القادمون من الصين وروسيا تعرف اكثر من غيرها ان حرب اوباما التي امهلتها سنة وبضعة أشهر تهدف إلى احتواء الإرهاب وإعادة توجيهه صوب روسيا والصين وإيران وليس القضاء عليه في سورية والعراق ولذلك ترفض واشنطن فكرة التعاون مع الرئيس بشار الأسد رغم فشلها في النيل منه … يتبع غدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى