ثلاثة عوامل تغير العالم من سورية
غالب قنديل
تتجمع التحولات في البيئة الاستراتيجية الدولية حول محور الصمود السوري الذي يصنع توازنات ومجالات حيوية جديدة للقوى الصاعدة في العالم التي تنتزع اعتراف الإدارة الأميركية وشركاءها في الحلف الاستعماري الغربي بالفشل في النيل من الجمهورية العربية السورية وبحتمية الرضوخ لإرادة الشعب العربي السوري وزعيمه الوطني المقاوم بشار الأسد والكف عن معاندة قوانين التاريخ وسنن الحياة الإنسانية .
لقد جاءت تصريحات جون كيري التراجعية عن دور الرئيس بشار الأسد على إيقاع ثلاثة عوامل ظهرت نتائجها وتجلياتها بكل وضوح وقوة على مسرح الصراع العالمي الكبير:
العامل الأول الصمود السوري تأكد فشل الرهانات الأميركية في القدرة على التهرب من حقيقة أن أي مواجهة جدية لخطر ارتداد الإرهاب وانتشاره في العالم تقتضي التراجع عن مواقف حلف العدوان الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة عن جميع الشروط التي تتناول دور الرئيس السوري ومكانته القيادية وشرعيته الدستورية والتسليم بهذه الحقيقة بات أمرا واقعا تتدرج التراجعات الأميركية نحو التسليم به صراحة إلى جانب التسليم بحقيقة انهيار وهم المعارضة المعتدلة الذي توج بالكلام الأميركي المقصود عن خمسة عناصر كانوا ثمرة جهود استخباراتية ممتدة من اكثر من سنة وتدريبات واختبارات كلفت ملايين الدولارات لتبرير التحول السياسي الجبري وتظهيره والحقيقة ان الولايات المتحدة وشركاءها في الناتو وعملاءها في المنطقة (حكومات قطر والسعودية وتركيا والأردن ومعها الكيان الصهيوني ) لم يدخروا جهدا في دعم ومساعدة عصابات الإرهاب بجميع تشكيلاتها من جبهة النصرة وجيش الفتح وحركة احرار الشام وصولا إلى أصغر مجموعة في شبكات إجرامية متعددة الجنسيات تضم سبعمئة فصيل إرهابي ( وفق التقارير الأميركية ) وبما في ذلك داعش التي أعلن اوباما حربه عليها قبل اكثر من سنة لمنع خروجها عن السيطرة كما قال في خطابه الشهير وليس للقضاء على الإرهاب أولتخليص المنطقة من شروره .
إن الحقيقة المركزية في مسار الأحداث طيلة العامين الماضيين هي صمود سورية رغم الحصار والخراب والعقوبات الاستعمارية الرجعية فقد تأكد فشل المعتدين بصمود الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية ورئيسها المقاوم وتفاقم خطرالارتداد الإرهابي في العالم أي منذ أيلول 2013 بعد تراجع اوباما عن وعيده بضرب سورية بقوة المعادلات والقدرات الرادعة لسورية وحلفائها الأوفياء في روسيا وإيران وحزب الله وظهرت مؤخرا تحديات جديدة تثقل كاهل الغرب بتدفق النازحين السوريين كنتيجة للعدوان ولخطر الإرهاب الذي دعمه الغرب وعملاؤه في المنطقة.
يمكن لأي عاقل تخيل السيناريوهات الاستعمارية لما بعد إسقاط سورية لو نجح المخططون في كسر إرادة الصمود السورية وتكفي الأسئلة البسيطة عما سيكون عليه المخطط الأميركي الصهيوني لضرب إيران وحزب الله وعما سيرتبه ذلك المخطط من تغيير في المعادلات اتجاه روسيا والصين من موقع الإملاء والفرض القسري لشروط الإخضاع والمساكنة بالهيمنة الأحادية على العالم وهذا هو جوهر الحرب الكونية على سورية ورئيسها كعتبة لإحياء مشاريع الإمبراطورية لمنع قيام أي قوة منافسة.
العامل الثاني الانتصار الإيراني من الصعب الفصل بين المسارين السوري والإيراني في الكفاح ضد الحلف الاستعماري الصهيوني في الشرق منذ ستة وثلاثين عاما ومما لاشك فيه ان العلاقة التفاعلية بين البلدين وصمودهما ومقاومتهما أسست بالشراكة مع حزب الله لمحور إقليمي قوي يتبادل فعل الإنجازات والتغييرات ولم يكن مصادفة توقيت انطلاق المباحثات السلمية بين إيران والمجموعة الدولية حول الملف النووي الإيراني في خريف 2013 أي بعد أسابيع من سقوط اختبار العدوان الأميركي على سورية بنتيجة تظهير فاعلية الردع الاستراتيجي الإيراني الروسي الصيني المشترك مع سورية وحزب الله .
الجديد انه بعد الرضوخ الأميركي للاعتراف بالقوة الإيرانية الصاعدة والتهافت الغربي على طهران طلبا للشراكات التجارية حولت إيران فائض قوتها إلى أداة تأثير فعالة في المواقف الغربية من العدوان على سورية وهكذا شهدنا وخلال أسبوع واحد من طهران وعواصم الغرب مواقف تعكس تحولات لاهثة إلى طلب الرضا لإيراني بمراجعة الموقف من سورية والرئيس الأسد وطلعت البيانات الألمانية والبريطانية والأسبانية والنمساوية وغيرها في حركة دومينو عالمية مهدت للتراجع الأميركي المعلن وبدا ان إدارة اوباما تعلمت درسا مؤلما من المرات السابقة فوضعت شركاءها في المقدمة.
العامل الثالث المبادرة الروسية استنادا إلى الصمود السوري الملحمي وإلى الانتصار الإيراني التاريخي انتقلت روسيا الشريك الاستراتجي لمحور المقاومة إلى اتخاذ مبادرة هجومية بتعزيز نوعي وحاسم في دعمها للدولة الوطنية السورية ولرئيسها الشجاع وبحيث اكدت جاهزيتها للإنخراط الضروري في القتال إلى جانب حليف موثوق يحمل راية الدفاع عن العالم في وجه خطر الإرهاب متعدد الجنسيات والعابر للحدود وقد أنضجت روسيا تحضير المسرح لخطوتها الهجومية بعد احتواء السلوك العدواني الأميركي في اوكرانيا وإفشاله اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وبعد حملة سياسية دقيقة وذكية قادها الرئيس فلاديمير بوتين وبتنسيق وثيق ومحكم في ادق التفاصيل مع كل من الحليفين السوري والإيراني حتى في البيانات والتصريحات والاتصالات الدولية والإقليمية على مدار الساعة طيلة السنة الماضية .
توجت روسيا إنجازات الصمود والمواجهة بقرار كبير لم يظهر منه إلا القليل حتى الآن وهو يقلب الطاولة كما استنتج كثيرون بعد تصريحات الرئيسين بوتين والأسد والوزيرين المعلم ولافروف وبات يفرض على الغرب بقيادة الولايات المتحدة ان يذعن لترجمة منطق روسيا في التصدي لخطر الإرهاب بالشراكة مع الرئيس بشار الأسد والجيش العربي السوري وهو منطق يحوز جميع مقومات الانتصار مقابل الإقرار الأميركي بفشل الحرب على داعش وبسقوط وهم المعارضة المعتدلة وكذلك بسقوط الجمع المستحيل بين مواصلة دعم الإرهاب في سورية ومنع ارتداده إلى صدور داعميه وقد باتت الحقيقة الساطعة “إما الأسد أو داعش والقاعدة” وتبخر الخيار الثالث الافتراضي الذي تلطت خلفه دول العدوان لتواصل تدمير سورية ودعمها الذي لم ينقطع لعصابات الإرهابيين الذين يهددون بارتدادهم روسيا والصين وإيران كما يطرقون أبواب الغرب كله وكلا من تركيا والمملكة السعودية.