الطرفان يصونان النزاع: يوسي ملمان
«بانعدام الرؤيا يثور الشعب»، جاء في سفر مشلي. الاضطرابات في الحرم في الايام الثلاثة الاخيرة وتزايد حوادث رشق الحجارة في القدس، والتي أدت إلى موت اسرائيلي في اثناء العيد، هي نتيجة غياب الرؤيا والسياسة لدى حكومة اسرائيل. وهي التعبير الابرز عن سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير الدفاع موشيه يعلون، اللذين لا يؤمنان بدفع المسيرة السلمية إلى الامام ويثبتان نهج «صيانة النزاع» الاسرائيلي ـ الفلسطيني وادارته.
وبالفعل، ينشغل الطرفان بالصيانة، كل واحد بطريقته. فالفلسطينيون معنيون بتصعيد التوتر ولهذا فانهم يرشقون الحجارة، ينتهكون النظام ويصطدمون بقوات الامن. في الطرف الفلسطيني لا توجد وحدة فكر او فعل. رؤساء الاوقاف الإسلامية، المقربون من السلطة الفلسطينية والمملكة الاردنية ومدراء المساجد في الحرم، غير معنيين بالاضطرابات ولكن تأثيرهم قليل على الشبان الذين في جبهة المواجهة.
السلطة الفلسطينية بقيادة ابو مازن تتطلع إلى أن تكون المواجهات «على نار هادئة»، تترك صداها في وسائل الإعلام العالمية وفي الدول العربية لاطلاق تذكير بان المشكلة الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي ـ اللذين يندحران عن جدول الاعمال والعناوين الرئيسة ـ حيان يرزقان. اما حماس فتريد أكثر من ذلك. فهي تسعى إلى اثارة الخواطر، واشعال المنطقة وتدهور الوضع إلى درجة انتفاضة جديدة.
أما حكومة اسرائيل، من خلال الشرطة، فتحاول تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، بالهجمات وبالاعتقالات ـ وهلمجرا. للحكومة توجد مشكلة: فهي تشعر بواجب الرد على المشاغبين والمتظاهرين كي تبقي على احساس الردع وتصالح اليمين والرأي العام، خشية أن تتخذ صورة الرقيقة والخانعة. ولكن الحكومة لا تريد أيضا للاحداث أن تخرج عن نطاق السيطرة. والكلمة الاساس هي «الاحتواء» لمنع التصعيد والتدهور في ظل اعادة الهدوء إلى نصابه. ويتعين على قوات الأمن ان تتصرف بحزم، ولكن ايضا بعقل وبحذر. كل حادثة صغيرة من شأنها أن تصبح حدثا ذا مغزى استراتيجي.
منذ الان، حين اصيب في الحرم عشرات الفلسطينيين (وبضعة افراد من الشرطة) واعتقل العشرات، تتكاثر اصوات القلق بل والتنديد باسرائيل. فقد أطلق الامين العام للامم المتحدة الرأي وكذا الناطقون بلسان الحكومات. والتخوف الاكبر في اسرائيل هو من ردود الفعل في العالم العربي المنقسم والخاضع للحروب الاهلية المضرجة بالدماء. ومن شأن الاضطرابات في الحرم، وهو احد الاماكن الاكثر قدسية للإسلام، أن يثير ردود فعل متسلسلة.
في اسرائيل يقلقهم على نحو خاص تأثير الاحداث في القدس بشكل عام وفي الحرم بشكل خاص على الاردن، الحليف الاستراتيجي. وقد أعرب الملك عبدالله منذ الان عن قلقه، وليس للمرة الاولى مما يوصف في الاردن (وفي دول عربية معتدلة اخرى تقسم علاقات مع اسرائيل مثل مصر) ـ «الرد الشديد» لاسرائيل.
هذا فقط ما ينقص الان حكومة نتنياهو، التي لم يسبق لها ان كانت منعزلة أكثر في الساحة الدولة (بسبب إيران، وسم منتجات المستوطنات، غياب مسيرة سلمية وغيرها) ـ ان تنشب أيضا ازمة عميقة وجدية مع المملكة الهاشمية. منذ 16 شهرا، قبل الحرب الاخيرة في غزة، تدور في القدس انتفاضة صغيرة مركزها الحرم. وهي تجد تعبيرها برشق الحجارة، عمليات الدهس والطعن بالسكاكين. القدس تشتعل. احيانا نار هادثة واحيانا تتعاظم. وحاليا لم تخرج احداث القدس عن السيطرة ولم تتسع إلى الضفة الغربية.
ولكن السؤال هو حتى متى يمكن للسلطة الفلسطينية وحكومة اسرائيل أن تسيطر على النار الملتهبة. صحيح، هناك حاجة لاثنين لرقصة التانغو. فليس كل المسؤولية عن الجمود السياسي ملقاة على كتفي نتنياهو. فلابو مازن والقيادة الفلسطينية يوجد دور في ذلك ايضا. ولكن خطر الوضع الراهن اكبر على اسرائيل منه على الفلسطينيين. فهم الذين يعيشون تحت الاحتلال والقمع الاسرائيلين، واللذين يترافقان ايضا مع التنكيل بهم من جانب بعض المستوطنين. يكاد يكون كل انسان ينظر على نحو صحيح إلى الواقع، بما في ذلك الوزراء في الحكومة والنواب، يفهم هذا.
ولكن في غياب الارادة، القدرة، الرؤيا والزعامة ـ لا يجري شيء. او للدقة، يجري ما هو من ذات الشيء: اطلاق قوات الامن، محاولات تفريق المتظاهرين، الحوار من خلف الكواليس بهدوء مع الاوقاف واجهزة امن السلطة، واحاديث عالية (لمصالحة اليمين) عن عقاب اشد، هذه المرة ضد راشقي الحجارة. وقد سبق أن قلنا: صيانة النزاع حتى المرة التالية. الخطر هو ان المرة التالية من شأنها أن تكون أشد ـ رشق الحجارة يمكن أن يتطور إلى زجاجات حارقة ـ ومنها إلى السلاح الناري.
معاريف