أوروبا تتكيّف مع وجود الأسد… ماذا عن القبول به؟ عامر نعيم الياس
لم يعلن الاتحاد الأوروبي موقفاً رسمياً موحّداً من مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سورية. فهو لا يزال متوقّفاً عند السقف العالي الذي ارتضاه ورسمه لنفسه منذ عام 2011 في ما يخص ملف وجود «الأسد» على رأس السلطة في سورية. فالشرط الأساس لأيّ حلٍّ في البلاد هو «رحيل الأسد».
اليوم، وبعد الاتفاق النووي مع إيران ودخولها طرفاً رسمياً باعتراف أممي في اللعبة الإقليمية، وبعد طفرة اللاجئين السوريين إلى أوروبا والانقسام الملاحظ في مواقف دول الاتحاد من هذا الملف، ورفض بعضهم استقبال اللاجئين ما دفع برلين إلى التلويح بعصا التمويل الممنوحة لبعض الدول الأوروبية من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وفي ضوء الموقف الروسي المستجد والمتطوّر من الوجود العسكري المباشر في سورية وملف الحرب على الإرهاب وتبنّي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسمياً وبشكلٍ لا لبس فيه، وأيضاً بشكلٍ قاطع، للحكومة والرئيس والدولة والجيش في سورية كشركاء أساسيين في الحرب على الإرهاب وفي بناء مستقبل البلاد، بدأ التحوّل يعصف بالموقف الأوروبي من سورية، بدايةً مع الخارجية النمسوية التي رأت إن «التعاون مع الأسد» أمرٌ ضروري في ملف الحرب على «داعش»، وهو ما أيّدته الخارجية الإسبانية. أما الخارجية البريطانية فقد توجّهت نحو المرحلة الانتقالية طارحةً «بقاء الأسد خلالها»، وهو ما أيّدته الحكومة الألمانية التي أعلنت هي الأخرى أن بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية أمرٌ وارد بالنسبة إليها.
إذاً، نحن أمام تغيّر في الخطاب الغربي وتحديداً الأوروبي تجاه سورية يقوم على إسقاط شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة كمقدمة لأي حلٍّ سياسي، وبالتالي تشجيع الدخول في التفاوض حول المرحلة الانتقالية بوجود الأسد على رأس السلطة، مع التشديد الرسمي بالتوازي مع ما سبق على أهمية الحرب على «داعش» في سورية والعراق، والخطر الوجودي الذي يتهدد القارة الأوروبية من تمدد التنظيم، وهو ما يلتقي مع التسريبات التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً حول قبول الرئيس الأسد «بتشكيل حكومة تضم المعارضة المعتدلة مع الحفاظ على أولوية مكافحة الإرهاب» هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مواقف الدول الأوروبية آنفة الذكر تعمل على سحب البساط من تحت الفرنسيين الذين يراهنون على أجندة خاصة بهم وبحلفائهم السعوديين والأتراك من جرّاء الانخراط الفرنسي في الضربات الجوّية على سورية. فالاتحاد الأوروبي دخل مرحلة الانقسام في الشأن السوري، لكنه انقسام غير متوازن نظراً إلى اصطفاف بريطانيا إلى جانب ألمانيا وإسبانيا في مواجهة فرنسا، وهو ما يمكن أن يمهّد عاجلاً أم آجلاً إلى تغيّر في الموقف الفرنسي من سورية لكن بعد البدء بالغارات الجوية الفرنسية على «داعش» في سورية التي سرّبت صحيفة «لوموند» الفرنسية أنها «لن تشمل جبهة النصرة». مذكرةً أن باريس «دعت إلى حلٍّ دبلوماسي وسياسي للأزمة السورية».
ما سبق من تغيّر في الموقف الأوروبي وتكيّف مع قبول وجود الأسد في المدى المنظور لا يمكن له أن يكون وليد حسابات سياسية مستقلة خاصة بكل دولة على حدا، بل المؤكد أنه ثمرة نقاشات بين الساسة الأوروبيين والأميركيين حول ضرورة تغيير الاستراتيجية المعتمدة مع سورية بعد مضي أربع سنوات على اعتماد الموقف القديم من الدولة السورية.
هو تكيّف مع وجود الأسد وإسقاطٌ لشرط رحيله عن السلطة، من دون أن يعني ذلك انتهاء الحرب في البلاد والتي تنتظر القبول بالتعامل مع الأسد.
(البناء)