بقلم غالب قنديل

ما الذي يغير المواقف الأوروبية ؟

syr oroba

غالب قنديل

مثل حجارة الدومينو تلاحقت المواقف الأوروبية التي تعترف بدور الرئيس بشار الأسد وتسجل تراجعا عن التعبيرات الأميركية المعروفة والتي يرددها الرئيس الفرنسي بينما تبتعد عنها صراحة بريطانيا وألمانيا وأسبانيا والنمسا وغيرها من الحكومات الأوروبية وتغطية التراجع تجري بوصفة واحدة هي “قبول دور للرئيس الأسد في الحل السياسي والمرحلة الانتقالية” ورغم ما ينطوي عليه هذا الموقف نفسه من انتهاك لسيادة دولة وطنية مستقلة وتدخل في شأنها الداخلي إلا انه يمثل تراجعا سافرا عن أسطوانة ” لا مكان له في مستقبل سورية ” فماذا عدا ما بدا ؟.

اولا منذ أكثر من سنتين شرعت بعض الحكومات الأوروبية تتحسس خطر ارتداد الإرهاب الذي ساهمت في حشده إلى سورية ودعمت حملة استخدامه في النيل من الجمهورية العربية السورية ورئيسها بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة حلف إقليمي تتصدره تركيا والسعودية وقطر وتنخرط فيه من الخلف حكومتا إسرائيل والأردن فقد قدمت حكومات اوروبية عديدة الحماية والتسهيلات لجمعيات ولجان تولت العمل على أراضيها لتعبئة وتسهيل انتقال الآلاف من المقيمين من أبناء الجاليات العربية وغيرهم من المتحدرين من جنسيات آسيوية وأفريقية للقتال في سورية .

منذ سنتين يتوالى وصول المبعوثين والموفدين الأوروبيين إلى دمشق لبحث التعاون الأمني الممكن في تقصي مخاطر ارتداد الإرهاب إلى مصدريه في الغرب والرد السوري الثابت هو ارتباط الأمني بالسياسي وبالتالي مراجعة المواقف المتورطة في حلف العدوان على سورية كمدخل لتعاون امني يساعد الحكومات الأوروبية على تلافي هجمات إرهابية محتملة ظهرت عينات منها في عدة دول وخصوصا فرنسا الأكثر شراسة وعدائية في استهداف الدولة الوطنية السورية بينما تمايزت دول الجنوب الأوروبي وألمانيا وخصوصا أسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص باعتماد لهجة أقل صلافة وتطرفا من الخطاب البريطاني الفرنسي الذي اعتمد حرفيا بيان التوجيهات الأميركية .

بكلمة أفهم الأوروبيون أن التعاون في مطاردة الإرهابيين ومنع ارتداد خطرهم يقتضي الانتقال إلى ضفة الشراكة المبنية على احترام سيادة الدولة الوطنية السورية ورئيسها والكف عن التورط في تغطية حلف العدوان او الانخراط في أنشطته على أي صعيد كان وكلما زادت مخاطر الارتداد يكتشف الأوروبيون حاجتهم للتعاون مع دمشق.

ثانيا تطرق موجة النزوح السورية الكثيفة أبواب القارة الأوروبية وتجتمع مع الخوف من ارتداد الإرهاب لتولد استعدادا لدى العديد من الحكومات لمراجعة مواقفها من الوضع السوري وسواء كانت تلك الموجة حاصلا طبيعيا لهروب أعداد كبيرة من السوريين إلى خارج البلاد تحت ضغط الأهوال التي ولدها اجتياح عصابات الإرهاب لمناطق سكنهم ام نتيجة تدبير أقدمت عليه حكومة تركيا المشاركة في دعم الإرهاب للرد على المواقف الأوروبية من حملة القمع التي تشنها ضد المناطق الكردية كما تردد بعض وسائل الإعلام الغربية فالحصيلة واحدة وهي ان كرة نار تلقى في الحضن الأوروبي وهي من نتائج التورط في العدوان على سورية وقد ادى تحسس نتائجها إلى تكثيف التصريحات عن دعم المساعي لحل سياسي في سورية يغلق مسارب النزوح والهجرة وضغطها المرتد في الحضن الأوروبي بصورة خاصة وهو امر سيقتضي التعاون مع الدولة السورية والتسليم بالأمر الواقع المتمثل بفشل مخططي الحرب الكونية في النيل من الدولة الوطنية السورية ورئيسها الصامد المقاوم الذي تحدى المشيئة الاستعمارية وتصدى لعنجهية الغرب وصلفه ولمؤامرات الحكومات العميلة في المنطقة .

ويفسر البعض الحملات الإعلامية الكثيفة عن النزوح السوري في اوروبا بانه السبيل لتحضير الرأي العام لفكرة الانتقال من الدعوة لإسقاط الدولة السورية إلى التفاوض المباشر مع الرئيس بشار الأسد بعد إبراز تبعات التعامل مع تحدي احتواء موجات النزوح الذي يلقي اعباء كبيرة اقتصادية واجتماعية وامنية على حكومات اوربية تريد التخفف من ذلك العبء في زمن الركود الاقتصادي المقيم وتخشى من تفاقم التحدي إذا استمرت الحرب على سورية ودفعت بالمزيد من النازحين إلى الخارج او استمرت معاناة اللاجئين في مخيمات لبنان والأردن وتركيا وسلكوا سبل الهجرة إلى اوروبا وحتى ما تردد عن تلبية الهجرة لحاجة بعض الدول كألمانيا إلى قوة بشرية منتجة وفتية وهذا ما ينطوي على المبالغة الإعلامية فتلك حاجة أقل بكثير من حجم النزوح الفعلي الذي ولده الإرهاب في سورية التي ترعى دولتها الوطنية مواطنيها وتحمل عبء ملايين النازحين الذي انتقلوا داخل بلدهم من مناطق يسيطر عليها الإرهابيون إلى مناطق سيطرة الجيش العربي السوري .

ثالثا التغييرات في الواقع الدولي تفرض إعادة الحساب على حكومات اوروبا وبالذات تحت تأثير الاتفاق النووي والحاجة الجبرية للتعاون مع إيران وخطب ودها للحصول على عقود واتفاقات شراكة تمثل محورا حيويا لمقاومة الركود الاقتصادي في الغرب الصناعي وقد ظهرت بعض المواقف والتصريحات المتحولة خلال زيارات مسؤولين اوروبيين إلى طهران وهو ما كان معبرا جدا وغنيا عن البيان : إنها تأثيرات البعد الإيراني المستجد في العلاقات الدولية وشبكة المصالح المرتبطة بها .

كذلك ومما لاشك فيه ان الديناميكية السياسية الروسية حول سورية ومكافحة الإرهاب بلغت درجة عالية ومتقدمة من التأثير في المواقف والخيارات الدولية وحيث يشكل انعكاسها عنصرا مكونا في التحولات الأوروبية المتلاحقة ويمكن القول اليوم ان حكومات الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وتركيا وقطر تتمسك بمواقف عدائية في سورية بينما شرع شركاؤها الأوروبيون بالتراجع عنها وقد يقول البعض إن الولايات المتحدة تمهد لتراجعها بهذه المواقف الصادرة عن حلفائها الذين طلبت إليهم لعب دور كاسحة الألغام بينما يرى البعض الآخر ان أوروبا التي تمسها الارتدادات السورية بحكم القرب الجغرافي هي الأكثر تلمسا للضرر الذي انتجته بشراكتها مع الولايات المتحدة وحكومات المنطقة التابعة في حرب عدوانية على دولة مستقرة طالما ساهمت في احتواء ازمات المنطقة ونتائجها الأمنية والسكانية كما حصل بعد احتلال العراق وقبل ذلك خلال الحرب الأهلية اللبنانية ولطالما اعتبرت جدارا فولاذيا لا غنى عنه في امن دول حوض المتوسط وفي كلتي الحالتين باتت حقيقة التسليم بمرجعية الرئيس بشار الأسد قدرا دوليا لا مفر منه نتيجة صمود الشعب والجيش والدولة ضد العدوان الكوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى