حين كان العملاء يقتلون الشهداء.. مرتين نبيه عواضة
كان الشهيد محمود أحمد ابن ميس الجبل الملقب بـ « بمحمود قاروط « قد أصيب في عملية نفّذتها المقاومة الاسلامية ضد دورية للاحتلال الاسرائيلي في قرية رب الثلاثين الجنوبية في العام 1998. يومها أقدم العميل عزات غضبان على ربط الجريح احمد بشريط وسحله بسيارة جيب عسكرية أمام عدسات الكاميرا وسكان القرية، الى أن فارق الحياة، قبل أن يرمي جثته خارج أحد المعابر الحدودية.
ليس الموقف الرافض استقبال جثث ضباط الصف الاول في «ميليشيا العميل انطوان لحد» بجديد، فقد سبق للعديد من القرى الحدودية ان رفضت استقبال جثثهم. ففي قرية عيترون مثلا، رفض الاهالي السماح باستقبال جثة العميل احمد السيد الملقب بـ «ابو برهان» وهو المعروف ببطشه بالاهالي وتعذيبه لمن يرفض التعاون مع جهاز امن العملاء حين كان مسؤولا أمنياً في منطقة القطاع الغربي. كذلك فعل اهالي كفركلا حين رفضوا دفن جثة العميل احمد شيت «أبو محمد»، الملقب بـ «أحمد عبد الجليل»، والذي كان مسؤول الجهاز (504) في القطاع الأوسط، ما أجبر العدو على إبقاء الجثتين في فلسطين المحتلة.
في المقابل، فإن أهالي القرى رفضوا دفن جثث عملاء الصف الثاني وما دون في جبانة القرية، وغالبا ما كان يتم الاستعاضة عن ذلك بقبر وحيد في أطراف القرية، تماما كما حصل مع العميل صبحي ابو قيس المسؤول الأمني في قرية الهبارية التي يتذكر سكانها أنه هو نفسه منع إقامة العزاء على الشهيد سليم بركات، أيام الاحتلال، حيث دفن بصمت ومن دون الصلاة عليه. وكذلك، فقد جرى «تهريب» جثة العميل غازي ضاوي الذي مات وهو قيد التوقيف في وزارة الدفاع، حيث دفن تحت جنح الظلام في بلدة الخيام، لتستفيق القرية في اليوم الثاني على نزع اللوحة عن قبره.
تكثر الروايات في القرى الجنوبية عن ممارسات العملاء بحق المواطنين الذين يتوفون خارج مناطق سيطرة ميليشيا لحد ويطلب الاهالي دفنهم في قراهم، حيث كانت الميلشيات تمارس انتقائية في السماح لجثامين المواطنين بالسماح لذويهم بدفنهم في قراهم تبعا للموقف السياسي للمتوفى. من له سجل وطني كان يجري رفض دفنه في قريته حتى لو كان المتوفى قد لاقى حتفه لاسباب صحية.
هذا بالنسبة للمواطنين العزّل أو المدنيين، اما بخصوص الشهداء المقاومين فلا تكاد تفرغ ذاكرة مقاوم من حديث عن رفاق له استشهدوا وجرى التنكيل بجثثهم.. وتتعدد الوسائل والاسماء والأماكن. هنا رواية عن الشهيد محمود سرور ابن طيرحرفا الذي سقط في وادي مجدل زون في العام 1985 ودفن كوديعة في قرية السماعية، وهناك الاخوان علي وأحمد نصار من بني حيان..
وبالرغم من أن عدداً كبيراً من الشهداء قد وضع في «مقبرة الأرقام» في منطقة الجولان المحتلة، فإن البعض دُفن في مقابر ظلت مجهولة لفترات طويلة قبل ان يتم الكشف عنها غداة التحرير، وبعد أن أطلق السيد حسن نصرالله دعوته الشهيرة «بالاعفاء عن من يدل على مكان شهيد مقاوم»، فتم العثور على العديد من رفات الشهداء مثل الشهداء وفاء نور الدين وجودت نورة وانعام حمزة وحسين ضاهر وحسين الحجيري وحسام علي.
وأكثر من ذلك، كان العملاء يتركون جثث بعض المقاومين مرمية في العراء كمصيدة للمقاومين في حال حاولت المقاومة سحب الجثث، مما يجعلها عرضة للانتفاخ او الالتهام من قبل الكلاب الشاردة، خاصة الشهداء الذين لم يبق من أجسادهم إلا الأشلاء.
إذن هو موقف مرتبط بممارسات العملاء وهو موقف مرتبط أكثر برفض فكرة ان يكون كبير عملاء الاحتلال الاسرائيلي له «موطئ قبر» في بلد قدّم الكثير من التضحيات والشهداء قبل تحقيق الانتصار الكبير في العام 2000 وبعده.
تعبيراً عن ذلك، وغداة تسريب أخبار عن احتمال وصول جثته الى لبنان ودفنها في مسقط رأسه في قرية كفرقطرة الشوفية، أقدم مناصرون تابعون للحزبين «الشيوعي» و «القومي»، إضافة إلى ناشطين من المجتمع المدني، على تنفيذ اعتصام حاشد عند تقاطع طريق المطار ـ الكوكودي، وقد رفعوا الشعارات وأطلقوا الهتافات المنددة بأي توجه لدفن جثة العميل أنطوان لحد في أي منطقة لبنانية. فهل تكون الحكومة بمستوى المسؤولية وترفض السماح لجثة لحد «بالعودة» إلى لبنان بعد أن تخلى هو، حين كان حيا، عنه وباع نفسه لعدو وطنه؟
(السفير)