لا تعويل على تأثيرات إيجابيّة لزيارة هولاند ابراهيم ناصرالدين
بعد ساعات على اعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عزمه زيارة لبنان بعد اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في نيويورك في 30 أيلول حاصرا جدول اعماله بالقيام بجولة على أحد المخيمات التي تستضيف لاجئين سوريين لتحديد سبل مساعدتهم، والاجتماع ايضا بعدد من السياسيين اللبنانيين للبحث معهم في آخر تطورات الازمة اللبنانية، بدأت الاتصالات الداخلية والخارجية تتوالى ناصحة اياه بتأجيلها وعدم الاقدام على «دعسة ناقصة» ستؤدي الى الاضرار بالدبلوماسية الفرنسية المأزومة اصلا.
ثمة نقاط ضعف كثيرة تعتري هذه الزيارة التي ستحصل في توقيت خاطىء، اذا ما اصر هولاند على اتمامها، فالحديث عن زيارة انسانية الى مخيمات اللاجئين السوريين لا تليق برئيس فرنسي يأتي من قارة «مربكة» وحائرة في كيفية التعامل مع هذا الوضع الانساني، حيث تفوح رائحة العنصرية الكريهة في التعامل القبيح مع ازمة تتحمل فرنسا وغيرها من الدول المتورطة مسؤولية نزيف الدم السوري المتواصل. ولكي تكتمل «الصورة» تقول اوساط بارزة في 8 آذار، «الجدير بهولاند ان يصطحب معه رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان والملك السعودي وغيرهما من القادة المتورطين بالحرب السورية».
وفي هذا السياق تلفت تلك الاوساط الى ان «الوقاحة» المنقطعة النظير تتمثل في السجال الدائر بين الاوروبيين والخليجيين والاتراك حول الاكثر «مودة ورأفة» في التعامل مع اللاجئين السوريين، مع العلم ان النقاش يجب ان يكون في مكان آخر ينطلق من تحديد الاكثر تورطا في تدمير الدولة السورية، وهو الفعل الذي سبب ازمة النزوح الجماعي للسوريين، وهنا لا يجب ان تغيب الاسئلة المرتبطة بمسؤولية السعودية عن الفكر الوهابي الذي يشكل الرافد الوحيد للفكر الديني المنحرف المسؤول عن «ولادة» «داعش» واخواتها ونشر قيمهم «المتسامحة»في المنطقة، ولا يجب ان يغيب ايضا السؤال عن التعنت السعودي في رفض اي تسوية سياسية في سوريا والاصرار على اطالة معاناة السوريين، كما لا يجب ان ينسى احد انه لولا دعم حكومة العدالة والتنمية التركية للارهابيين في سوريا وفتح الحدود لكل «شذاذ الآفاق» لما غادر اي سوري منزله. اما التآمر الفرنسي فليس بسر، وباريس جزء من منظومة غربية تبنت استراتيجية «رمي نفاياتها» في سوريا عبر تسهيل تصدير الارهابيين للتخلص منهم. فهل من وقاحة تضاهي وقاحة هولاند؟ وكيف سيتمكن اصلا من النظر في عيون اطفال مخيمات اللاجئين ليقول لهم «الاكاذيب» وجها لوجه بعد سنوات خمس من التضليل مارسها من وراء الشاشات؟
اما الشق السياسي من الزيارة فيبدو اكثر «ركاكة» من شقه الانساني، فباريس الطامحة للعب دور تملأ به الفراغ الاميركي الناتج عن «كوما» الانتخابات الرئاسية، يصطدم بنقاط ضعف ذاتية تتعلق بوهن الثقل الفرنسي على الساحة الدولية والاقليمية، وكذلك يصطدم بتعاظم ادوار الاخرين، فموسكو مثلا لن تسمح لباريس بأن تكون الند الغربي البديل عن واشنطن، والموقف الروسي المتقدم على الساحة السورية كان بمثابة «جرس انذار» مبكر للجميع يشير الى صعوبة تجاوز المصالح الروسية في المنطقة. ثمة تفاوت كبير في الامكانيات لا يسمح لباريس بلعب دور حتى لو كان صغيرا وجزئيا يرتبط بالملف الرئاسي اللبناني.
وليست موسكو وحدها من تحد من الدور الفرنسي، فايران دخلت بقوة كلاعب اقليمي يصعب تجاوز مصالحه، الفرنسيون ادركوا ذلك مبكرا، لم يقطعوا يوما الاتصالات الخاصة بالتطورات اللبنانية مع الايرانيين، حاولوا فرض رؤيتهم للحل مرارا عبر عملية ابتزاز مفضوحة عنوانها الملف النووي، ما «مشي الحال»، بعد توقيع الاتفاق في فيينا باتوا في موقف ضعيف لا يسمح لهم بـ «المناورة»، عينهم على «كعكة» الاستثمارات الايرانية، لن يغضبوا الايرانيين خوفا من خسارة فرصهم المالية، ليسوا في موقع يسمح لهم بالتفاوض من موقع قوة. يضاف الى ذلك ان الايرانيين لا ينظرون الى فرنسا باعتبارها دولة تستحق ان تكون ندا تفاوضيا، واذا كان لا بد من تسوية عندما تنضج الظروف سيكون الاميركي حكما الطرف المقابل في المفاوضات وليس الفرنسيين، وفي الخلاصة لن يجد هولاند في بيروت اي آذان صاغية.
اما الاسئلة اللبنانية فهي كثيرة، وربما تبدأ ولا تنتهي بالتعويل على دور فرنسي في انتاج حل لازمة الرئاسة، واذا كان الرئيس الفرنسي لا يملك بين يديه خريطة طريق لفتح ابواب قصر بعبدا، فما الجدوى من زيارته؟ وما هي جدوى القيام بزيارة للبنان في غياب رئيس للجمهورية؟ ألن يكون مفعولها عكسيا لجهة اعتبار قدوم رئيس فرنسي في ظل «الشغور» اقراراً بالامر الواقع، وتعايشاً «مقنعاً» مع غياب رأس الدولة؟ يضاف الى ذلك ان فرنسا لم تعد مصدر «الهام» لاحد من المسيحيين في لبنان، وزيارة هولاند ستكون مصدر احباط وليس مصدر دعم او رفع للمعنويات، فالمسيحيون عندما يلمسون عن قرب ضعف موقف «الام الحنون» سيشعرون اكثر بالعزلة السياسية بعد ان فقدوا «المظلة» الغربية الراعية لحقوقهم في منطقة يجري العمل على تفريغها من وجودهم، بتواطؤ غربي فاضح بات يعتبر الوجود المسيحي في الشرق الاوسط عبئاً يريدون التخلص من «حمله الثقيل». لذلك لا تعويل على تاثيرات ايجابية للزيارة على وضع المسيحيين في لبنان.
وفي السياق نفسه لم يعد القادة المسيحيون في لبنان يعولون على الدعم الفرنسي ولا يبدو انهم متحمسون لقدوم هولاند، فالفريق الملتحق بقوى 14 آذار يرى الحضن السعودي اكثر «دفئا» من الحضن الفرنسي «البارد»، فعلى الاقل ثمة اشباع لنهم مالي يعوض غياب الدور «الحمائي» الفرنسي، فحاجة تيار المستقبل الى «شماعة» مسيحية لتثبيت ادعاء «الاعتدال» سمحت مثلا لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع «بلعب» دور يتجاوز حجمه الحقيقي، فتفتحت له ابواب القصور في «الامارات» و«الممالك» الخليجية، وجرى تبني ترشيحه للرئاسة، على الرغم من ادراكه انه عندما تحين مواعيد القرارات الحاسمة لن «يكمل المعركة»، التجارب تثبت ذلك، لكنه اكثر من راض عن دور يعرف في قرارة نفسه انه لا يستحقه فلا ضير من «جائزة» ترضية لا تستطيع باريس تقديم مثيل لها.
اما على المقلب الاخر فليس جديدا ان غالبية القوى المسيحية في 8آذار لا تثق بفرنسا وادوارها المشبوهة، والجنرال ميشال عون الذي خاض تجربة مريرة مع الفرنسيين يدرك جيدا ان المسيحيين لم يعودوا في الوجدان الفرنسي والغربي، وعندما يزور هولاند لبنان لا يأتي بصفته راعيا وصديقا وانما «خصم» حجز مكانا على «الضفة الاخرى». في المقابل يدرك «الجنرال» ان الفرنسيين ينظرون اليه بصفته عضوا في محور المقاومة، لا بصفته الزعيم المسيحي الاكثر تمثيلا في البرلمان، واذا كان «المكتوب» يقرأ من عنوان، فان هذه الزيارة لن تحمل جديدا بالنسبة اليه، خصوصا انه ليس في وارد تقديم اي تنازلات لهولاند او غيره، لكن عندما يحين وقت «البيعة» فهي ستكون خاسرة اذا ما تم «بيعها» الى من لا يملك ما يقدمه في المقابل من «ثمن» مناسب..
ولاجل كل هذه المعطيات، لا احد يعرف لماذا يفكر الرئيس الفرنسي بزيارة لبنان، ومن تبقى من اصدقاء فرنسا اللبنانيين، شاركوا ايضا في نصيحة هولاند بالتفكير مليا في زيارته وتوقيتها، ونصحوه ان لا ياتي الا عندما تنضج ظروف التسوية في المنطقة، عندها يمكن استعادة «ماء الوجه» من خلال تسويق الحل الرئاسي، تزامنا مع انطلاق عجلة الدولة والمؤسسات اللبنانية المعطلة، ودون ذلك ستكون نتائج الزيارة «هزيلة» بالشكل والمضمون، وسيكون الرئيس الفرنسي كمن يطلق النار على «رجله». ويبقى القرار الفرنسي معلقا على حسابات قد لا تكون «استراتيجية» «وعميقة» وقد يختار هولاند زيارة لبنان في سياق «تحدي الملل» في زمن «البطالة» السياسية الفرنسية.
(الديار)