السيناريوات المحتملة لتعزيز الوجود العسكري الروسي في سورية عامر نعيم الياس
فجأةً، ومن دون سابق إنذار، فتحت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية ملف الوجود العسكري الروسي في سورية. البيت الأبيض صادَق على المعلومات وفسحَ بدوره في المجال أمام ماكينته الإعلامية بالاستفاضة في توصيف هذا الملف وتضخيم الغايات من التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية. موسكو التي اعترفت بأن هذا التواجد استشاري وقائم منذ عقود بين الدولتين الروسية والسورية لم تنفِ استمرار توريدات الأسلحة. لكنها أكدت أنها لم ترسل جنوداً إلى سورية. إلا أن هذا الحراك الأميركي الذي استُبق برصد صهيوني لم يأتِ من فراغ، فالواضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضّر الأجواء لترسيخ معادلة جديدة في النزاع السوري على خلفية الاستقبال الغربي العربي البارد لكافة المبادرات التي طرحتها روسيا لحل الأزمة السورية منذ سنوات أربع خلت، والتي كان آخرها الدعوة إلى تشكيل تحالفٍ دولي لمحاربة الإرهاب يضمّ الدول الإقليمية المحسوبة على واشنطن إلى جانب الجيشين السوري والعراقي. اقتراحٌ بدأت السعودية حملة إفراغه من محتواه وأكمله على الأرض تصعيد نوعيّ في محيط دمشق من جانب أداتها زهران علوش، فضلاً عن معركة المطارات التي فُتحت في شمال البلاد وشرقها على مصراعيها. ويُرصد سياسياً وعسكرياً للتغيّر في الموقف الروسي من إدارة الأزمة السورية مع الغرب حدثان بارزان:
الأول، بدء المناورات العسكرية الروسية الأكبر من نوعها في عرض البحر الأبيض المتوسّط قبالة السواحل السورية.
الثاني، المشاركة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع والعشرين من الشهر الجاري في أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة وهي الأولى من نوعها منذ ثماني سنوات.
مما لا شك فيه أن الغموض الذي تنتهجه روسيا في الحديث عن تواجدها في سورية واستغلالها الـ«لا فعل» الأميركي في سورية، الذي أفسح في المجال أمام تحوّل البلاد إلى حقل اختبار لكافة الجماعات الإسلامية والمرتزقة المرتبطين بالدول الإقليمية، دفع موسكو إلى الدخول على خط تعزيز التواجد العسكري الروسي في سورية سواء عبر السرعة في تنفيذ الاتفاقات الموقعة أو التسريبات الأخرى التي لم تتأكد حول الأسلحة النوعية أو بناء قاعدة برّية غرب البلاد. وفي سياق هذا الغموض يمكن رصد السيناريوات التالية:
السيناريو الأول: أن يكون التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية وتعزيزه يرتبطان بشكل مباشر في حماية القاعدة العسكرية الروسية في البحر المتوسط باعتبارها الضامن الوحيد للوجود العسكري الروسي في المشرق. هذه الحماية التي من الممكن أن تفرض تشييد أبنية جديدة أو حتى قاعدة عسكرية لضمان تأمين الدعم اللوجيستي للأسطول الروسي في البحر المتوسّط والذي عاد إلى المنطقة ليعزز دوره بعد عقود خلت من انكفاء موسكو عن ساحة الفعل الدولي.
السيناريو الثاني: أن يكون التواجد العسكري الروسي بمثابة إنذار مباشر ونهائي للقوى الإقليمية التي تخرّب أي جهد سياسي في الساحة السورية، بأن موسكو دخلت على خط المواجهة المباشرة على الأرض السورية. هنا يستوجب أن يكون الحديث والتسريبات عن وجود عسكري روسي في سورية أمراً واقعاً وبالآلاف. وهذا هو السيناريو الأقل احتمالاً.
السيناريو الثالث: أن تكون الترتيبات والمبالغات عن حجم الوجود العسكري الروسي في سورية وأفق هذا الوجود وصلاحياته بمثابة رسالة سياسية من الرئيس الروسي إلى الولايات المتّحدة بوجوب التعامل بشكل جدي مع مسار الحل السياسي الخاص بسورية وعدم المراهنة على الأرض والاستنزاف إلى ما لا نهاية. بمعنى ابتزاز بوتين للغرب على خلفية انقلاب خصوم بوتين على كافة اتفاقات التهدئة الخاصة بأي بؤرة توتر بين الأطلسي وروسيا ابتداءً من أوكرانيا وليس انتهاءً بسورية.
من المؤكد أن الحركة الروسية باتجاه سورية قد تغيّرت في الأسبوعين الأخيرين. وهو ما تدركه ومداه الإدارة الأميركية ويربك أي سيناريو أمامها وأمام حلفائها لتطوير التدخل العسكري في سورية. فهل تستمر سياسة الـ«لا فعل» الأميركية وبأيّ اتجاه ستتغيّر إن تغيّرت؟
(البناء)