مقالات مختارة

كفى لـ «يهودية الدولة»:جدعون ليفي

 

في أساس كل شيء توجد الهستيريا: إسرائيل يجب أن تكون، وبكل ثمن، دولة يهودية، عادلة أو غير عادلة، جيدة أو غير جيدة، تنمو أو لا تنمو ـ المهم أن تكون يهودية. في الهستيريا كما في الهستيريا: القليلون يستطيعون تفسير الاسباب. وأقل منهم يعرفون عم يدور الحديث، ومحظور على أحد التشكيك في ذلك. في اليوم الذي ستتحرر فيه إسرائيل من هذا الفرض، وتتحول إلى دولة مثل باقي الدول، وديمقراطية مثل باقي الديمقراطيات، فانها ستتحول إلى مكان عادل واكثر امناً. في الوقت الحالي هذه احدى القضايا المركزية.

من اجل الاحتفال هذا المساء بالسنة الجديدة، لا حاجة لدولة يهودية. في نيويورك وجوهانسبورغ (وفي طهران) سيحتفلون اليوم بالعيد.

ولإقامة نمط حياة يهودي لا حاجة إلى دولة يهودية. فحرية العبادة توجد في دول كثيرة. من هنا تبدأ الامور في التعقد: «اغلبية اليهود الإسرائيليين (واغلبية العالم) يعتقدون أن اليهود يستحقون وطنا قوميا؛ اليهود الإسرائيليون ايضا يريدون العيش في دولة يفضل أن تكون اغلبية المواطنين فيها من اليهود. الطموح الاول كان مشروعا وتحقق بالكامل؛ والطموح الثاني غير مشروع وهو قومي متطرف وليست له قيمة حقيقية.

بير باينرت قال أول أمس في «هآرتس» إنه لم يعد هناك وجود للجالية اليهودية في الولايات المتحدة: «في 2015 لم يعد ممكنا الاستنتاج من حقيقة أن الأمريكي هو يهودي، الكثير عن نمط حياته أو قناعاته. مبدئيا يمكن الحديث اليوم عن جاليتين يهوديتين كل منها تتقاطع في مميزات مشتركة مع الأمريكيين غير اليهود أكثر من الجالية اليهودية الثانية».

الأمور ملائمة اكثر عند الحديث عن الجالية اليهودية الإسرائيلية ـ منقسمة اكثر والعلاقة بين طوائفها ضعيفة، ومع ذلك فان هستيريا «الاغلبية اليهودية» تستمر وتزداد وتوحد اليمين واليسار اليهوديين.

في اغلبية الدول المتنورة لا تتجرأ السلطات السؤال عن دين المواطن. أما في إسرائيل فهذا أساس كل شيء. حينما يقول عضو الكنيست نحمان شاي إن هدفه هو الحفاظ على «عدم ازدياد نسبة العرب في الدولة»، فانه يعكس ذروة المصداقية السياسية الإسرائيلية؛ هناك دول (كان يفترض أن تكون إسرائيل احداها) تتحول فيها هذه العبارة إلى عبارته البرلمانية الاخيرة. لكن لأن اسم اللعبة هو «الاغلبية اليهودية» فانه لا توجد مشكلة مع اقوال كهذه.

لا توجد «قيم يهودية»، ولا توجد «اخلاق يهودية» ـ توجد قيم واخلاق عالمية. الأم عليها أن تتمنى لابنها أن يكون انسانا جيدا وليس «يهوديا جيدا». المطعم «اليهودي» هو مطعم شرق اوروبي، والاماكن «اليهودية» هي اماكن حريدية أو دينية. على إسرائيل التوقف عن الاهتمام طول الوقت بطابعها اليهودي واغلبيتها اليهودية. عليها الاهتمام بتطورها وعدالتها واخلاقها وقيمها.

الدولة اليهودية بنيت منذ وقت، ويجب الآن بناء دولة ديمقراطية، متساوية وعادلة. وهي لن تصبح كذلك إذا لم تتحرر من هستيريا يهوديتها. الدولة التي تكف عن فرض يهوديتها ستنجح في التحرر من مخاوفها وسيتضاءل اعداؤها ـ وستكون أكثر عدلا.

لماذا نحتاج «اغلبية يهودية» إذا كانت اغلبية للفاشية، وكراهية العرب، والأغيار والعنصرية؟ لماذا نحتاج «الطابع اليهودي» إذا كان معناه دولة دينية؟ لماذا يريد الإسرائيلي الليبرالي العيش في دولة مع اغلبية يهودية ترتكز على المستوطنين والقوميين المتطرفين؟

أليس صحيحا أكثر بناء مجتمع ديمقراطي، ليبرالي وعلماني يناضل ضد الجماعات الاصولية الغير ديمقراطية والقومية المتطرفة؟ بعد 67 سنة على إقامة الدولة، حان الوقت لحرب الاستقلال الثانية لإسرائيل ـ حرب الاستقلال من يهوديتها.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى