حوار «الوقت الضائع»: جلسة استطلاع أولية ودفع لعمل الحكومة فراس الشوفي
في ظلّ ضبابية أفق المعارك والتسويات في الإقليم، أعادت القوى السياسية على طاولة «حوار الوقت الضائع»، أمس، تكرار مواقفها المعروفة في الجلسة الاستطلاعية الأولى، من دون أي تقدم في الملفات «الكبيرة»، باستثناء إعطاء دفع للحكومة لحل أزمة النفايات
لم يتوقّع أحد أن يجترح المجتمعون على طاولة الحوار في جلستها الأولى أمس، حلولاً، ولو أوليّة، لأي من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد، ولا سيّما رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، بالتوازي مع تحوّلات المنطقة والعالم العربي المشتعل.
ومع أن الفرز السياسي على العناوين الكبرى، الذي ظلّل حوار 2006 وحوار الدوحة 2008 وحوار بعبدا ما بعد الأزمة السورية، لم يتغيّر أو يتبدّل، إلّا أن انعقاد الجلسة في حدّ ذاته ضمن جدول أعمال «ضيّق»، ولو بقي في إطار «استطلاع المواقف»، يعكس استشعار القوى السياسية الخطر الحقيقي الآتي. «الحوار… حتى لا نعثر على وطننا في مكب التاريخ»، قال الرئيس نبيه برّي في كلمته الافتتاحية، وإلّا، «فإننا سننتظر أن يأخذنا أحد بيدنا إلى إحدى العواصم، ليتم إبلاغنا المخرج الذي نوافق عليه، وتعليق لبنان على مسمار في حائط الشرق الأوسط، إلى لحظة انفجار جديد… فهل نستحق لبناننا؟»، بحسب بري.
ولأن شيئاً لم يتغيّر منذ عقد رئيس الحكومة تمّام سلام مؤتمره الصحافي الشهير قبل نحو أسبوعين، بعيد انطلاق احتجاجات الشارع، كرّر سلام أمس جزءاً حرفياً من كلامه في المؤتمر، مانحاً ضرورة حلّ ملفّ النفايات على عجل حيزاً مهماً من كلمته، مشيراً إلى أن «لا أحد سيساعدنا في حل أزماتنا لأن الخارج منشغل في أزماته». وبدا إصرار سلام في الحوار على تسريع البحث في مسألة النفايات، استمراراً للضغط على القوى السياسية لأخذ مسألة النفايات بجدية، بعد الدعوة التي وجهها صباحاً بالتشاور مع بري لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بعد الظهر، وقد جاءت نتيجة لاتصالات اليومين الماضيين، بعد الاتفاق شبه الأوّلي على حلحلة مسألة التعيينات الأمنية برفع عدد ألوية الجيش إلى 12، واقتناع الجميع بضرورة نزع ذريعة أزمة النفايات من احتجاجات الشارع.
إلّا أن تفاقم الأزمات وتفلّت الشارع يوماً بعد يوم، ليسا سبباين كافيين لتليين مواقف الرئيس فؤاد السنيورة الذي مثّل كتلة المستقبل أمس، على رغم التباين الواضح في المواقف داخل التيار، وبعد أن بذل جهداً حثيثاً في الأيام الماضية لإقناع الرئيس سعد الحريري بعدم المشاركة. ولم يكتف السنيورة ببيان «هجاء حزب الله»، الذي أصدرته كتلة المستقبل أول من أمس، وامتنع الحزب عن الرّد عليه حتى لا يتأبط السنيورة ذريعة لانسحاب التيار من الحوار، بل «تعدّى» على جدول أعمال الحوار، الذي انتقاه برّي بعناية، مصوّباً السهام في كلمته على قتال حزب الله في سوريا، وسلاح الحزب في الداخل اللبناني.
ولم يكن كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون مغايراً كثيراً لما يطرحه خارج الحوار، لناحية ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، أو إجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية. إلّا أن الجديد في كلام الجنرال، هو إشارته إلى ما سمّاه «مجلساً تأسيسياً» يتألف من المكوّنات الموجودة على طاولة الحوار، في ظلّ الفراغ في رئاسة الجمهورية و«عدم شرعية مجلس النواب». وحين أشار عون إلى أنّ من حقّه أن يطرح ما يريد حول الانتخابات النيابية والرئاسية، وحتى النزول إلى الشارع، ردّ السنيورة بالقول إن «من حقّك أن تطلب ما تريد»، لكن «عبر القنوات الدستورية». وفسرت مصادر مشاركة في الحوار كلام السنيورة وردّ عون عليه لاحقاً، بأن «السنيورة استفز الجنرال، بما معناه: من حقك أن تطلب ومن حقنا ألا نوافق»، واقتصر السجال عند هذا الحد.
كلام السنيورة عن سلاح المقاومة أحدث تعديلاً طفيفاً على الكلمات المتعاقبة، فاستدعى رداً قاسياً من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ثمّ رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان والنائب طلال أرسلان والنائب سليمان فرنجية، الذين دافعوا عن السلاح، قبل الشروع في المداخلات المعدة مسبقاً. وتناول حردان مسألة المواطنة، طارحاً ضرورة اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية كقاعدة لأي انتخابات مقبلة. وفيما أكّد أرسلان أن بقاء البلاد من دون رئيس أمر لم يعد مقبولاً إطلاقاً، أكّد فرنجية أن «الخلاف حول الرئيس سيستمر لأن كل فريق يريد رئيساً يتخذ موقفاً استراتيجياً إلى جانبه، لذلك فأزمة الرئاسة من دون أفق»، وبدل التلهي بها، «فلنهتم بشؤون الناس». وأثنى النائب وليد جنبلاط على كلام فرنجية، طارحاً الأمر عينه.
وعلى عكس الأجواء التي أشاعها الكتائبيون في اليومين الماضيين عن «تشدد» النائب سامي الجميّل، وصف أكثر من مصدر مشارك في الجلسة موقف الجميل بـ«المَرِن». إلّا أن الأخير طرح أن يكون رئيس الجمهورية «إدارياً» أو تكنوقراط، مع وزراء «إداريين»، مع تأكيده أن مرشح حزبه هو الرئيس السابق أمين الجميّل، لكن «لا نقبل أن تعطّل الانتخابات لأجل مرشّح»، في تصويب واضح على عون. كذلك دعا الجميّل إلى عدم البحث في قوانين جديدة للانتخاب، بل التصويت على أحد القوانين الـ 17 المقترحة.
وبدا لافتاً محاولة الوزير بطرس حرب في مداخلتيه التصويب على عون، بالإشارة إلى أنه المسؤول عن تعطيل الانتخابات الرئاسية، فردّ عليه عون، وسأله عن السبب الذي يدفعه إلى الردّ عليه حصراً. وبحسب أكثر من مصدر مشارك في الجلسة، فإن حرب تعمّد تسريب خبر السجال مع عون للإعلام!
مرّت جلسة أمس ضمن سقف التوقعات، باستمرار الانقسام الحاد حول ملفي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، مع تحقيق خرقٍ واضح في الاتفاق على تسهيل عمل الحكومة، تُرجم ليلاً بالاتفاق على حلحلة ملفّ النفايات والموافقة على الصيغة التي طرحها الوزير أكرم شهيب.
إلّا أن غالبية المصادر المشاركة، عبّرت لـ«الأخبار» عن اقتناعها بأن أوان «القضايا الأساسية» لم يحن بعد، و«نحن في الوقت الضائع».
ويحلو لأحد المصادر تشبيه «حوار 2015» في الشكل واللحظة التاريخية، بالظروف الموضوعية للحوار الذي انطلق في تشرين الثاني 1975 بعد إفلاس «الجمهورية الأولى» واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. ولا يقصد المصدر بأن البلاد على وشك اندلاع حرب أهلية، فـ«حرب النفايات مندلعة»، بل يرد خلفية التشبيه إلى «عدم وجود حلول في المنطقة، كما كان في عام 75، لذلك انتظر لبنان 15 عاماً، وعبر فوق حوار 1980 ومؤتمر جنيف 1983 ولوزان 1984 وحوار سباق الخيل 1987، حتى وصلنا إلى الطائف بعد نضج التسوية الإقليمية والدولية».
(الأخبار)