أزمة سعودية صاعدة منير الخطيب
بإمكان المملكة السعودية الادعاء أنها الدولة الأكثر هدوءاً في محيطها المضطرب. ولدى الرياض قدرة أسطورية على الصمت والتكتم على مكامن عدم الاستقرار في طول المملكة وعرضها، بتواطؤ كامل من وسائل الإعلام ومراسليها المقيمين في المدن السعودية. لا يخرج خبر واحد إلى العلن، إلا بعد المرور في مصافي وزارة الإعلام والوزارات الأمنية. ولولا تغريدات «مجتهد» الشخصية السرية الفريدة على موقع «تويتر»، لبقي الكثير من أسرار المملكة مجهولاً، علماً أن «مجتهد» بذاته «أمير» هذه الأسرار. لا أحد يعرف مَن يكون، ومع ذلك تنشر مقابلاته وأخباره كبرى وسائل الإعلام.
بحسب الإعلام السعودي، فإن من علامات الاستقرار المذكور تجلّت في اللقاء الأخير بين الملك سلمان والرئيس باراك أوباما. لقاء بين بلدين مندفعين إلى تعميم استقرارهما الداخلي على الآخرين، وضمان السلام والأمن العالميين. لقاء لم يترك سراً تحت حجر، وصولاً إلى البحث في تولية ولي ولي العهد المُلك، عندما يحين أوان اعتزال الملك لأسباب صحية.
«الاستقرار» لن يبقى سمة مستدامة في المملكة على ما يبدو. التوافق الأميركي ـ السعودي الذي عبر عنه بيان القمة، والبيانات التوضيحية التي تلته، يكشف أن السعودية على مفترق طرق خطير، قد يؤدي بعد مرحلة الاستنزاف الحالية المعطوفة على صراع السلطة الداخلي، إلى حال من الفوضى، يضع مملكة آل سعود برغم ثرواتها النفطية الهائلة، في مصاف الدول غير المستقرة.
أمضت المملكة نصف القرن المنصرم في مواجهة إيران. اليوم باركت الاتفاق النووي بين طهران ودول (5+1) ومن البيت الأبيض. اعتراف الرياض بالنووي الإيراني، وإن تغلَّف بشروط ضرورة حفاظ إيران على الاستقرار الإقليمي، يعني أن المملكة انخرطت في مسار لا يستفز الإيرانيين، أو على الأقل الادعاء بذلك أمام الأميركيين. عندما لا تعود إيران «الخطر الأكبر» في المنطقة، تصبح الأعين مفتوحة على الوهابية السياسية ومخاطرها على المنطقة خصوصاً على سوريا. وقد خرج الصديق الأكبر للمملكة، الصحافي توماس فريدمان، مهندس مبادرة الملك الراحل عبد الله «للسلام» مع إسرائيل، ليحذر من مخاطر التطرف الديني بصيغته السعودية.
المملكة كانت أمام فرصة لتوفير بعض من مصادرها، لكنها الآن ستواجه كلفة حملة علاقات عامة لتلميع صورتها، بعد تكاثر الأصوات الناقمة على دور السعوديين في تمويل حروب «القاعدة» و «داعش» على سوريا، وهي اليوم مدعوّة لتكون رأس حربة ضدهما.
الاستنزاف لا ينتهي هنا. أخبار التوغل البري في اليمن والخسائر البشرية غير المتوقعة فيه، تضع الرياض في مأزق لم تحسب له حساباً، خصوصاً بعدما ورطت باقي دول الخليج معها. المستنقع اليمني وكلفة حروبه، بالإضافة إلى كلفة الحروب الأخرى التي تموّلها المملكة، باتت تخنق السعوديين. كلفة التسلح السعودي تجاوزت المئة وخمسين مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، تضطر الرياض لتمويلها عبر إصدار سندات خزينة. وها هي كبرى شركات المملكة السيادية كـ «أرامكو» و «معادن» وغيرها تلجأ إلى الاستدانة من المصارف الخاصة. أما قرار تحرير الوكالات التجارية الدولية في سوق التجزئة من الكفيل السعودي، فتستثير «أثرياء الوكالات»، وهم عماد نظام الحكم خارج الأسرة الملكية.
«القلة توصل إلى النقار». والخلاف على الحكم خصوصاً بين أفراد جيل غير مُجرِّب ومُجرَّب تنذر بأيام سعودية قاتمة. بهذا المعنى تصبح الحرب على سوريا أزمة على طريق الحل. أما السعودية.. فأزمة صاعدة!
(السفير)