مقالات مختارة

ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا د. فايز رشيد

 

ثلاثة وثلاثون عاماً مرّت على مجزرة صبرا وشاتيلا, تلك التي اقترفت بحق شعبنا الفلسطيني في العاصمة اللبنانية في عام 1982. اقترفتها القوات اللبنانية التابعة للكتائب وحلفاؤها, إثر اغتيال الرئيس بشير الجميل، الذي فاز في تصويت مجلس النواب اللبناني تحت تأثير الدبابات الصهيونية التي كانت تحاصره. وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون كان على بعد مئتي متر من مخيم شاتيلا, في الوقت الذي تم فيه ذبح ما يزيد على 900 فلسطيني منهم 40 لبنانياً، من بينهم النساء والأطفال والشيوخ, الذين جرى فصل رؤوسهم عن أجسادهم بالبلطات, وبقر بطون الكثيرين منهم. وجرى اغتصاب النساء قبل ذبحهن .


كل ما كتبناه من فظائع جرى تصويرها وتوثيقها في صور وأفلام حية باستطاعة من يريد مشاهدتها ومشاهدة ما هو أفظع منها, أن يبحث على الشبكة العنكبوتية، بالتالي فالمذبحة الفظيعة كانت أيضاً مجالاً للتشنيع والتمثيل في جثث الفلسطينيين، وكأنه لا يكفيهم القتل فقط وبطرق هجمية!.


مقترفو مذبحة صبرا وشاتيلا لا يزال معظمهم أحياء، هم لم يعاقبوا بسبب جرائمهم والتي تمت بالتنسيق مع قوات الاحتلال الإسرائيلي, التي قامت باجتياح بيروت بعد رحيل المقاتلين الفلسطينيين منها إلى الشتات.المذبحة تمت بالرغم من التزام المبعوث الأميركي فيليب حبيب حينها, بأمن المخيمات الفلسطينية. هذا التعهد لم يجر تنفيذه, مما يحِّمل الجانب الأميركي جزءاً من المسؤولية عن حياة وأمن الفلسطينيين
لقد حمّلت لجنة تقصي الحقائق الإسرائيلية (لجنة كاهانا) التي حققت عام 1983 بالمذبحة, أرييل شارون، وزير الدفاع حينها، مسؤولية شخصية إنما, غير مباشرة لأنه لم يتوقع حدوث المجزرة ولم يقم بأي عمل للحؤول دونها! تصوروا التهميش في تفسير اللجنة لدور شارون وقوات الاحتلال الصهيوني لبيروت!.
في الوقت الذي كتبت فيه مؤلفات كثيرة وأبحاث وتحقيقات صحفية , وكلها أثبت: التنسيق الكامل بين شارون ورئيس أركانه وكبار ضباطه, مع قيادة الكتائب وجهازها العسكري المتمثل في القوات اللبنانية، فهذه ما كانت لتجرؤ على القيام بالمذبحة دون ضوء أخضر من أسيادها الإسرائيليين!صحيح أن شارون وبعد تقرير لجنة كاهانا، استقال من منصبه, لكن الاستقالة لا تعد عقاباً, بدليل أنه وبعد فترة قصيرة فقط عاد إلى الحكومة وزيراً، وفيما بعد أصبح رئيساً للحكومة لأكثر من فترة. اللجنة حمّلته مسؤولية أخلاقية عن المجزرة بمعنى: أنها أعفته من المشاركة فيها،وهذا غير صحيح فهو وقواته يتحملان مسؤولية مباشرة عن المجزرة.


أما مرتكبو المذبحة من اللبنانيين إضافة إلى أنهم لم يعاقبوا, فإنهم أصبحوا جزءاً من المعادلة السياسية اللبنانية وفيما بعد جزءاً من الحكومة، بالرغم من أن من يرتكب هذه الفظائع لابد أن تجري محاكمته ليس في بلده فحسب، بل أمام محكمة الجنايات الدولية , باعتبار ما اقترفه : جريمة بحق الإنسانية وهي التي تسمى بجرائم الحرب.

د
مذبحة صبرا وشاتيلا ليست المجزرة الأولى بحق الشعب الفلسطيني، فلقد قامت إسرائيل بعشرات المجازر من قبلها وبعدها، ولم تحمّل الدولة الصهيونية أحداً من ضباطها أو جنود جيشها, المسؤولية عن هذه المجازر، فقط حصل ذلك مرّة واحدة،حينما حاكمت الضابط إسحق شيدمي وحمّلته مسؤولية إعطاء الأوامر عن ارتكاب مجزرة كفر قاسم في عام 1956. تصوروا حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية بغرامة مالية قدرها قرش واحد.إسرائيل ارتكبت مجازر بحق العرب أيضاً مثل: مذبحة بحر البقر، ومجزرتي قانا، كذلك لم تحمّل أي إسرائيلي أية مسؤولية عن هذه المجازر.بالنسبة لمجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل أدّعت إسرائيل أن مرتكبها: مريض نفسياً وهو بحاجة إلى العلاج،بالتالي فإن التبريرات الإسرائيلية للمجازر بحق الفلسطينيين دائماً تكون جاهزة.
لو أن مجزرة ارتكبت بحق اليهود في بقعة ما من العالم، فستقوم الدنيا ولن تقعد, فحتى اللحظة وبرغم ما يزيد على الستة عقود على مضي الحرب العالمية الثانية، مازال الهولوكوست حاضراً ويمنع التشكيك فيه،ومن يشكك فيه, يعاقب بالسجن وتجري محاربته في قوته وعمله. كثيرون شككوا في عدد اليهود الذين أحرقوا في أفران النازية…هؤلاء طردوا من وظائفهم, حوربوا ومازال يحاربون (بالطبع من منهم أحياء حتى اللحظة). المجازر الكثيرة تقترف بحق الفلسطينيين ومنها مجزرة صبرا وشاتيلا. نسمع بيانات أسف واستنكار ولكن تظل بلا عقاب. وبعد مضي فترة يتم نسيان هذه المجزرة. شعبنا لن ينسى من ارتكبوا المجازر بحق أبنائه ولن نغفر لهم، طال الزمن أم قصر!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى