مقالات مختارة

تهويد المسجد الأقصى لا يصل لهيئة الأمم- منير شفيق

 

من الخطوات التي تمثل مفهوم الصراع مع الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس إلى المنظمات والهيئات الدولية، تأتي الخطوة التي تمخض عنها وزير خارجية السلطة كالجبل الذي تمخض فولّد فأراً، وهي دعم مشروع قرار رفع العلم الفلسطيني أمام مقر الأمم المتحدة إلى جانب أعلام الدول الأعضاء. وذلك خلال التصويت في الجمعية العامة في العاشر من شهر أيلول/سبتمبر الجاري. كما طالب بدعم مطلب فلسطين الانضمام إلى منظمة الانتربول. مما يعزز عمل الأجهزة الأمنية التي بناها الجنرال الأمريكي دايتون، والتي تقوم بقمع المقاومة الفلسطينية والحيلولة دون الانتفاضة ضد الاحتلال والاستيطان، وتطارد كل من يعارض على الشبكة العنكبوتية .

هاتان الخطوتان جزئيتان في أحسن الحالات، ولكن العجب في التركيز عليهما في وقت يتعرض فيه المسجد الأقصى، إلى تصعيد صهيوني باتجاه الاقتسام الزماني للصلاة بين المسلمين واليهود فيه. فباعتراف رياض المالكي وزير خارجية سلطة رام الله، بأن “إسرائيل” بدأت “منذ أيام بمنع المصلين المسلمين من دخول باحات الأقصى من الساعة السابعة صباحاً إلى الحادية عشرة ظهراً. وسمحت بدخول المستوطنين المتطرفين باحات المسجد. وهذا هو التقسيم الزماني”. وأضاف المالكي أمام البعثات الدبلوماسية في رام الله: “بدأت إسرائيل أيضاً بسياسة تقنين وقت صلاة المسلمين إلى أقل من ساعة. ومن يخالف يُعرِّض نفسه للمساءلة في مركز الشرطة“.

وأضاف قائلاً أيضاً: “إن العصابات الاستيطانية الإرهابية تدعو المستوطنين إلى اقتحام المسجد الأقصى. وهم أيضاً من يقومون بالاعتداءات على الفلسطينيين في مدنهم وقراهم تحت سمع الاحتلال وحمايتها. بالإضافة إلى سياسة هدم المنازل وتهجير السكان الأصليين من مدينة القدس، ضمن سياسة ممنهجة لتهويد المدينة المقدسة“.

من يقرأ هذه التصريحات التي أدلى بها رياض المالكي أمام أعضاء البعثات الدبلوماسية في رام الله يتعجب، كيف لا يتقدم إلى الجمعية العامة بمشروعي قرار، يتعلق أولهما بما يتعرض له المسجد الأقصى من خطوات تستهدف الاقتسام الزماني للصلاة فيه بين المسلمين واليهود. وأما الثاني فيتناول ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات، كما ورد في الشق الثاني من تلك التصريحات.

هنا اكتفى بلقاء أعضاء البعثات الدبلوماسية في رام الله، فيما ذهب بمشروعين إلى الجمعية العامة، أحدهما يتعلق برفع العلم الفلسطيني، والثاني الانضمام إلى الانتربول لتعزيز هيبة الأجهزة الأمنية. وهذا ما سمح عند المقارنة بما صرح به الجبل وما تمخض عنه. لأن مشروعاً قوياً يمسّ الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، أو يمسّ ممارسات المستوطنين بالتواطؤ مع جيش الاحتلال، سوف يدخل السلطة في معركة دبلوماسية جادة وحادة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية. وهو ما تتجنبه سلطة رام الله. ولهذا تذهب إلى إثارة ضجة حول معارك ثانوية في المجال الدولي. فرفع العلم يحتاج إلى إذن من الجمعية العامة للخروج على تقليد يحصر رفع الأعلام أمام مقر الأمم المتحدة في الأعضاء فقط. وذلك بالسماح لرفع علمي الفاتيكان وفلسطين كعضوين مراقبين. فما أسهل من أن تجيز الجمعية العامة مثل هذا الاستثناء. وهو سيسمح لسلطة رام الله بأن تُسجل نصراً وهمياً رمزياً لا يتقدم خطوة واحدة نحو الهدف، الذي تسعى إليه وضحت بالكثير من أجله: أي الدولة. وهو الهدف الذي أطاح بكل الثوابت الفلسطينية المتعلقة بتحرير كل فلسطين كما بحق العودة، أو استراتيجية الكفاح المسلح. وها هو ذا يطيح بالمسجد الأقصى حين يفضل عليه التقدم بمشروع رفع العلم الفلسطيني أمام مقر هيئة الأمم المتحدة.

وهو ما يجب أن يقال حين يفضل التقدم بمشروع الانضمام إلى الانتربول للتوسع في مطاردة المقاومين والمنتفضين، وحتى المتعاملين مع الشبكة العنكبوتية (من غير المرضي عنهم)، على مشروع ضد التوسع الاستيطاني وهدم البيوت ومصادرتها وتهويد القدس.

مرة أخرى، يجب الإقرار بأن وضع هدف إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة بعد الخامس من حزيران 1967، على رأس “المشروع الوطني الفلسطيني” هو الذي قاد إلى التنازل عن 78 % من أرض فلسطين، وإلى الاعتراف بحل الدولتين الذي يتضمن الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني (“إسرائيل”)، وإلى التخلي عن حق العودة. لأن حق العودة يتناقض مع شعار إقامة الدولة الفلسطينية على 22 % من فلسطين، أو حل الدولتين. فحق العودة مرتبط ارتباطاً عضوياً بتحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر، ومن الناقورة حتى رفح.

   أما من جهة أخرى فإن هدف إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت في حزيران 1967، قاد إلى الانخراط في العملية السياسية التي وصلت مع م.ت.ف إلى اتفاق أوسلو، ومن قبله المشاركة المباشرة في المفاوضات الثنائية المنبثقة عن مؤتمر مدريد. وبالطبع قبل ذلك ما جرى من وساطات ولقاءات سرية غير رسمية، والتي انطبق عليها المثل الشعبي: “أول الرقص حنجلة“.

إن التهيؤ للانخراط بالعملية السياسية راح يؤثر منذ البداية على استراتيجية الكفاح المسلح المقررة في منطلقات فتح، وفي ميثاق م.ت.ف لعام 1968. وبهذا أخذ الموقف من الكفاح المسلح، أو المقاومة، يتراجع خطوة بعد خطوة، حتى أصبح وعد الدولة يتطلب اتفاق التنسيق الأمني وإقامة أجهزة أمنية بإشراف أمريكي- إسرائيلي مباشر، كما عبر عن ذلك الجنرال الأمريكي دايتون.

تلكم هي تجربة وضع إقامة دويلة فلسطينية على 22 % من فلسطين على رأس المشروع الوطني الفلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى