بقلم غالب قنديل

لبنان على مفترق خطير

saraya

غالب قنديل

لايستطيع أي كان إنكار الوضع الحرج الذي يجتازه لبنان والسبب الرئيسي هو عجز السلطة القائمة عن إنتاج الحلول لمشاكل كثيرة تراكمت وتفاقمت بنتيجة منع السير في إصلاحات الطائف المتمثلة بنظام المجلسين لتجاوز الطائفية السياسية ونهج الخصخصة والتقاسم السائد منذ التسعينيات وبينما يتمتع البلد بمناعة توفرها المقاومة بالشراكة مع الجيش في وجه التهديدين الصهيوني والتكفيري يصعد المأزق السياسي والهم الاجتماعي إلى واجهة الاهتمام.

أولا يزيد الطين بلة استعصاء ازمة تداول السلطة في حلقة مفرغة بفعل التدخلات الخارجية والتوازنات النيابية المحكمة بفعل قانون الانتخاب الأكثري الطائفي والمتخلف ولأن الغالبية النيابية والحكومية تمنع إجراء الانتخابات النيابية التي يمكن ان تحرر صيغة الحكم من فيتوات خارجية تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية يعبر عن عمق شعبي كبير كما ثبت في التظاهرة الأخيرة للتيار الوطني الحر التي لا يمكن لأي مراقب منصف تجاهل وزنها وتأثيرها في حسابات الاستحقاق الرئاسي وبترجيح كفة العماد ميشال عون الذي يتبنى توجها إصلاحي ويسعى لتصحيح صيغة الشراكة المجحفة التي قامت على تحوير اتفاق الطائف منذ عام 1992 وراكمت مذاك كمية من الوقائع والأعراف التي رتبت شعورا جديا بالغبن والتهميش كما أنه يتبنى توجهات إصلاحية اقتصاديا واجتماعيا تلاقي اوجاع الناس التي فجرتها ازمة النفايات.

ثانيا الشلل الحكومي والبرلماني هو الواقع السياسي الفعلي المهيمن على البلاد بنتيجة تلك الحلقة المفرغة التي لا تكسر بغير انتخابات نيابية جديدة على أساس قانون نسبي يوفر فرص التعبير عن التعدد السياسي في المجتمع وقد بات قانون الانتخابات النسبي حاضرا بقوة إلى جانب الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي وجوهره إلغاء الخصخصة والتقاسم في جميع مجالات الخدمة العامة التي هي مسؤولية الدولة وهو ما يحتم السير في طريق تحديث الإدارة العامة والمؤسسات العامة انطلاقا من مكافحة الفساد وتطبيق التمانع القانوني بين العمل العام وأي نشاط خاص يتداخل مع مجالات تولي المسؤولية العامة من قريب او بعيد على النقيض مما كرسته مدرسة الحريرية القائمة على تمجيد القطاع الخاص وتمكينه من اجتياح المرافق العامة وتحقير مفهوم الخدمة العامة عبر مؤسسات الدولة عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي يحرسها ويسهر على تطبيقها الرئيس فؤاد السنيورة ومجلس الإنماء والإعمار.

ثالثا إن من نتائج التحركات الاحتجاجية التي ولدتها ازمة النفايات صياغة جدول أعمال من بندين يفرض نفسه على طاولة الحوار التي تضم رؤساء الكتل النيابية بينما يتوقع ان يشهد التحرك الاحتجاجي ذروة مهمة في التوقيت عينه وحتى الساعة فقد أدرج بند واحد على طاولة الحوار وهو قانون الانتخابات بينما البند الثاني ما يزال خارج التداول الجدي .

الجدل في قانون الانتخاب على الطاولة قد يشهد ممانعة للنسبية من قبل كتلة المستقبل بينما بات مسلمة في الشارع وعلى مستوى الراي العام ويحظى بزخم شعبي كبير لوروده في جميع برامج وبيانات الجماعات المتحركة في مناخ الاحتجاج الذي فجرته ازمة النفايات الفضيحة ولا سيما بعد تظاهرة التيار الوطني الحر وحصيلة الحوار ستكون امتحانا لجميع الكتل النيابية ومدى تلقفها لرسالة الشارع ولا يجوز ان تغيب عن جدول الأعمال صرخة الاستحقاق الإصلاحي المتمثل بإلغاء الخصخصة والتقاسم ومراجعة جميع الملفات والسياسات القائمة منذ عشرين عاما على هذا الأساس .

رابعا يقف لبنان على مفترق خطير فالحراك الاحتجاجي يستند إلى حالة من النقمة والغضب نتيجة تفاقم المعاناة الشعبية من المشاكل والأزمات المتراكمة التي تطال معظم الشرائح المتوسطة والفقيرة في المجتمع اللبناني والأرجح ان هذا العامل يرشحه للاستمرار والتصاعد ومن خصائص الحراك المهمة وطنيا سمته العابرة للطوائف وكونه يقطع الطريق حتى الآن على محاولات تهريب الأزمات عبر الفتن الطائفية وهو تقليد درجت عليه القوى اللبنانية التقليدية منذ زمن بعيد لإجهاض الهبات الشعبية المطالبة بالتغيير وكذلك من النتائج المحققة لانخراط قوى يسارية وطنية اعتراض وعرقلة مساعي التوظيف الأميركي الرجعي للغضب الشعبي في تنصيب رئيس موال للغرب تحت عنوان الوسطية لكن هذه المعركة ليست سهلة وتعترضها القوى الفاعلة من المعسكر الرجعي باطروحة اولوية الانتخابات الرئاسية على الانتخابات النيابية .

خامسا على الكتل النيابية مراجعة حساباتها وخياراتها وتظهير مواقفها من غضب الشارع وتفاعله مع الأزمات الناتجة عن مأزق الحكم ولا شك ان كل لحظة لها ثمن فخبرة التجارب تقول انه حين تعجز المؤسسات عن إفساح المجال للحلول تتفجر الأزمات في الشارع والاحتجاج الشعبي هو المثال وقد فرض تغييرا كبيرا في مقاربة الحكومة لملف النفايات بعد المناقصة الفضائحية المشينة لكن عدم إقرارقانون الانتخابات النسبي وإدارة الظهر لأصوات المتظاهرين والمعتصمين ستكون عاقبته كبيرة وخطيرة ولا يقل عنها خطورة تجاهل الحاجة لتجاوز نهج الخصخصة والتقاسم بإجراءات جدية وعملية في جميع الملفات وهي حاجة ستولد المزيد من الاحتجاجات الغاضبة في قضايا لم يعد ممكنا التعامل معها بالتجاهل وبالطرق الملتوية وتستدعي نهجا جديدا يتبناه فريق حكومي جديد وهنا الحاجة الماسة لإعادة تكشيل السلطة انطلاقا من الانتخابات النيابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى