الزبداني: «أحرار الشام» تطلب العودة إلى المفاوضات عبد الله سليمان علي
بالرغم من أن التقدم الذي يحرزه الجيش السوري و«حزب الله» في الزبداني، يتصف بالبطء والتأنّي، إلا أنه كان كافياً لدفع العديد من الأصوات للمطالبة بالعودة إلى طاولة المفاوضات ومحاولة الوصول إلى حلّ، بغض النظر عن الثمن المطلوب دفعه.
وما ساعد على ذلك صمود أهالي الفوعة وكفريا في ريف إدلب، ومنعهم جميع محاولات اقتحام البلدتين اللتين أراد المسلحون أن تكونا ورقة ضغط للحصول على مكاسب إضافية وشروط أفضل.
وأكد الناشط الإعلامي علاء التيناوي، وهو من أبناء الزبداني، ما كانت «السفير» قد نشرته الأسبوع الماضي، حول وجود خلافات بين الفصائل على تفاصيل المفاوضات وشروطها، حيث أقرّ في تغريدة له على حسابه الرسمي على «تويتر» بأن «وضع الزبداني كارثي، والمقاتلون عاجزون عن الصمود لفترة طويلة». وطالب «الأخوة في الشمال (أي إدلب) وفيلق الشام تحديداً السماح بإنجاح المفاوضات، لأن الزبداني في مأساة وفي وضع حرج».
أما الناشط أبو الهدى الحمصي فقد وجه رسالة إلى القيادات العسكرية والسياسية، مفادها أن «وضع الزبداني حرج جداً جداً، ونطالب بالتحرك الفوري قبل فوات الأوان. سيناريو القصير يتكرر».
وفي توصيف لوضع المسلحين بعد التقدم الأخير للجيش السوري و«حزب الله»، والذي تُوّج أمس بسيطرتهما على دوار السيلان (المعروف باسم ساحة المهرجان)، اعتبر أحد النشطاء أن المسلحين «باتوا لا يقاتلون من أجل الأرض وإنما لتفادي الوقوع في الأسر».
وقد يتبادر إلى الأذهان، للوهلة الأولى، أن مثل هذا التوصيف فيه الكثير من المبالغة، خاصة أن طريق الكورنيش الذي فقده المسلحون لا يعتبر إستراتيجياً لهذه الدرجة، ولكن أن يصدر هذا الكلام نفسه عن زعيم «جبهة النصرة في القلمون الغربي» أبي مالك التلّي فهذا يعني أن التوصيف دقيق، ويعكس حقيقة الواقع.
وقد جاء كلام التلّي في رسالة له نشرها الشيخ الأردني أبو محمد المقدسي على حسابه على «تويتر». وبحسب الرسالة فإن «الساعات الأخيرة تظهر أن الرافضة قد حسموا أمرهم بالنسبة إلى الزبداني، فإن الأخوة اعتبروا أنفسهم بين قتيل أو أسير، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وكشف التلّي، في رسالته، أن تعداد المسلحين في الزبداني يزيد عن 1200 مسلح، وأن بينهم 250 جريحاً، مشيراً إلى أنهم «أصبحوا في منطقة مسطّحها 500 متر ومثلها عرضاً». ونقل عمن أسماهم «أخوة ثقاة من الداخل» بأنه «لم يبق معهم من الذخيرة إلا القليل، والطعام يتقاسمونه في ما بينهم»، مشدداً على أنه لم يذكر سوى جزء بسيط من معاناة «أخوته» في الزبداني. لكن الغريب أن هذه الرسالة لم تلق تداولاً واسعاً، برغم أن ناقلها هو أحد ابرز مشايخ «السلفية الجهادية».
هذه الوقائع بشقيها، أي بروز الخلافات والوضع الميداني الكارثي، دفعت قادة بعض الفصائل إلى طرق باب المفاوضات من جديد، سواء لرفع التهمة عن نفسها بتعطيل الهُدَن وإفشالها، كحال «فيلق الشام»، أو لمنع حدوث الكارثة والتسبب بخسارة لا يمكن تحملها، كما هو حال «أحرار الشام» التي ينتمي إليها غالبية مسلحي الزبداني.
فقد أعلن «فيلق الشام»، وهو أحد مكونات «جيش الفتح» في إدلب، أمس الأول، تشكيل «فريق للتفاوض بخصوص الزبداني وكفريا والفوعة» بإشراف «المجلس الإسلامي السوري»، متعهداً «الالتزام بما يحققه هذا الفريق من نتائج، ونقف صفاً واحداً خلفه». وفي توضيح لاحق، نفى رئيس «المجلس الإسلامي» الشيخ أسامة الرفاعي، المعروف بميوله «الإخوانية»، أن يكون المجلس هو من سيتولى مهمة التفاوض، كاشفاً أن الأمر لا يتعدى كونه «توسيعاً للدائرة»، حيث كان فصيل واحد يتولى أمر المفاوضات، في إشارة إلى «أحرار الشام» فجرى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من جميع الفصائل «لمتابعة الأحداث والتعامل معها».
وقد أثار البيان الصادر عن «فيلق الشام» انتقادات واسعة من قبل الناشطين المعنيين بملف الزبداني، إذ رأوا فيه محاولة جديدة لشق الصف، مبدين استغرابهم من صدور البيان عن «الفيلق» وحده ما دام تشكيل اللجنة المشتركة كان بالاتفاق بين جميع الفصائل.
وقال لـ «السفير» مصدر مطلع على كواليس المفاوضات إن «مبادرة فيلق الشام ليست سوى فقاعة في الهواء، ولا تستحق الحبر الذي كتبت به»، ليس لأنها جاءت متأخرة ولم تلق صدى لدى الطرف الآخر فحسب، بل لأن «الفيلق» لعب دوراً سلبياً في إفشال الهدنة الأخيرة، وبالتالي لم يعد محل ثقة لقيادة مفاوضات جديدة. غير أن المصدر كشف عن وجود مبادرة جديدة تقدم بها وفد «أحرار الشام» تتضمن المطالبة بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع سحب جميع الشروط التعجيزية التي أدت سابقاً إلى إفشال المفاوضات السابقة، ومبدياً استعداده لتقديم ضمانات تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه نتيجة المفاوضات. وذكر المصدر أنه من «المتوقع أن تكون الساعات المقبلة حاسمة حول مصير هذه المبادرة»، لأن وفد «الأحرار» بانتظار موقف «الوفد الإيراني» ومن وراءه السلطات السورية على هذه المبادرة.
لكن رئيس حزب «التضامن» المعارض محمد أبو القاسم نفى علمه بوجود مثل هذه المبادرة، حيث قال، لـ «السفير»، إنه أوقف المساعي التي كان يقودها حزبه للتوسط بين طرفي المفاوضات منذ فشل الهدنة الأخيرة، مشيراً إلى اعتقاده أنه بعد التقدم الأخير الذي أحرزه الجيش السوري، فمن الصعب أن تقتنع السلطات بالعودة إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً بعد فشل التجربتين السابقتين لأسباب واهية.
(السفير)