إسرائيل تتباكى على الطفل السوري الغريق فيما تقتل عشرات الأطفال في غزة: جدعون ليفي
صورتان. الاولى: الوجه مدفون بالرمال، الجسم صغير، الارجل الحافية موضوعة بصورة مشوهة وعلى أحدها دماء متجمدة. الثانية: الوجه مدفون بالرمال، الحذاء ملبوس في القدمين المتقاربتين، الجسم الصغير مغطى بالمياه. هما تقريبا في نفس الجيل والشبه بينهما كبير ومخيف. اسماعيل بكر في الصورة الاولى، وايلان كردي في الصورة الثانية. طفلان ميتان، ملقيان على شاطيء البحر، يبعدان عن بعضهما البعض عاما وعدة مئات من الكيلومترات.
الصورة الاولى لاسماعيل بكر، تم نشرها في العالم وأخفيت في إسرائيل. صحيفة الرحمة الإسرائيلية «يديعوت احرونوت» لم تنشرها في الصفحة الاولى ولم تكتب بأحرف كبيرة: «الطفل الذي أثر في العالم». موت اسماعيل بكر لم يؤثر في أحد في إسرائيل. وفي المقابل، تحول آيلان الميت إلى أيقونة عالمية، بما في ذلك «يديعوت احرونوت» التي تعرف ما الذي يؤثر في الإسرائيليين.
طفل فلسطيني في غزة قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصفه مع ثلاثة أولاد عمه الصغار في عملية الجرف الصامد وهم يلعبون كرة القدم على الشاطيء ـ أمر لا يؤثر. السوري من نفس الجيل الذي غرق وهو هارب مع عائلته إلى اوروبا هو الذي أثر. إذا كان هذا التلون لا يكفي فسنضيف أنه لن تتم محاكمة أحد بسبب القتل الفظيع لاسماعيل بكر في إسرائيل (تم اغلاق الملف). بينما أعقاب قتل ايلان في تلك الحادثة تم في تركيا اعتقال عدد من المشبوهين.
ليس لإسرائيل الحق في أن تتأثر أو تصك أسنانها أمام صورة ايلان الكردي، ولا أن تتصنع بأنها متأثرة، ولا أن تقترح المساعدة، ولا أن تتحدث عن الاخلاق مع اوروبا. في الساحة الخلفية الإسرائيلية، على مسافة ساعة وربع سفر من تل ابيب، جلس في الاسبوع الماضي أبناء عائلة العملة وتحدثوا مع صحافية من السويد زارت منزلهم في رفح، عن كارثتهم: إنهم ضحايا «يوم الجمعة الاسود» في رفح، اليوم الذي فقد فيه الجيش الإسرائيلي عقله وأعصابه في اطار اجراء «هنيبعل». الأب وائل فقد رجله، والزوجة اسراء فقدت رجليها، والابن شريف (3 سنوات) فقد رجله وعينه، وشقيق وائل وشقيقته قُتلا.
جميعهم ضحايا الصواريخ التي أطلقت من الطائرات الإسرائيلية في يوم الجمعة ذاك، عندما حاولوا الهرب من منزلهم باتجاه منزل الجدة. مصيرهم مزعزع ليس أقل من مصير أبناء عائلة كردي. الفرق هو أن كارثتهم حدثت على أيدي الجيش الإسرائيلي. وحكومة إسرائيل والرأي العام كان عليهما تحمل المسؤولية عن هذا العمل ومساعدة العائلة. وبامتناعهما عن ذلك فان إسرائيل تُظهر نوعا من الانغلاق، الامر الذي يمنعها من حق الزعزعة بسبب كوارث اخرى، دون التلون والتعامل باخلاق مزدوجة.
التلون بحد ذاته يميز الزعزعة التي يظهرونها في إسرائيل على مصير اللاجئين الذين يتجهون إلى اوروبا. الدولة التي تتغاضى عن عشرات آلاف طلبات اللجوء ليس لها الحق في انتقاد أي دولة اوروبية بسبب معاملتها للاجئين. واذا كانت إسرائيل تريد المساهمة ولو بشكل ضئيل، من اجل لاجئي العالم فان عليها أن تستوعب طالبي اللجوء الموجودين فيها، وأن تسمح لهم بالعمل والعيش باحترام وأن تفتح أمامهم مسارا متدرجا للمواطنة. ومن تأثر من اقوال رئيس الحكومة النغارية، فكتور اوربان، الذي قال إن امواج اللاجئين تهدد «الجذور المسيحية في اوروبا»، يجب عليه تفسير ما هو الفرق بين الجذور المسيحية في اوروبا التي تُسمع سيئة جدا باللغة الهنغارية وبين القلق على «الطابع اليهودي» لإسرائيل الذي يُسمع بشكل ممتاز بالعبرية.
تفاخر الازرق ـ الابيض مسموح هنا: في هنغاريا وبلغاريا يريدون الآن التعلم من إسرائيل كيفية بناء الجدار، وفي إسرائيل يتفاخرون بهذا. نور للأغيار أو ليس نورا للأغيار.
هآرتس