الأسرة الدولية!!بقلم:بنت الأرض
في العقدين الأخيرين تمّ تعويم مصطلح الأسرة الدولية في الإعلام والسياسة وتمّ استخدامه لأغراض مختلفة حيناً، ومتناقضة أحياناً أخرى، لأنّ هذا المصطلح، ككثير غيره من المصطلحات يحقق انطباعاً مريحاً وجميلاً لدى السامع والقارئ وبعد ذلك يمكن تضمينه الإيحاءات المرغوبة. فقد شهدنا استخدام هذا المصطلح للتعبير عن مواقف يتخذها بلد أو بلدان على الأكثر يعتبران أنفسهما ممثلين للأسرة الدولية وخاصة أنّ معظم هذه المواقف لا تصبفي صالح رفع الظلم والعدوان عن الشعوب المستضعفة، وبهذا لم تكن معبّرة عن جوّ الأسرة “المحب والحميمي” ولا عن جو “الدولية” الذي يوحي بالشرعية العالمية. ومازالت شعوب العالم في معظمها تتطلع لوجود معيار دولي يحمي هذه الأسرة الدولية من العدوان والانتهاكات والظلم والعذاب. إذ كان من المفروض أن تمثل شرعة الأمم المتحدة، هذا لمعيار وأن يتم تطبيقه في كل زمان ومكان ولكنّ الواقع أثبت أنّ هذا مازال أملاً بعيد المنال.
لقد بدأت بمراجعة هذا المصطلح منذ زمن، خاصة وأنه في غالب الأحيان تجاهل ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية ومع ذلك عدت إليه وأنا أتابع التدمير الممنهج لآثارالعراق وسورية ومصر وبعد أن شهدت وآخرون معي تدمير معالم فريدة لا مثيل لها في العالم ولن يكررّها التاريخ شهدت على ارتقاء الفن والعلم. والحضارة والعيش المشترك في هذه المنطقة الهامة من العالم.
فقد دمرت مدينة حضر ونمرود العراقيتان ودمّر متحف الموصل بمعاول حاقدين على الإنسانية ودّمرت آلاف الآثار في بابل ونينوى ونهب المتحف العراقي منذ سقوط بغداد عام 2003. واليوم نرى القوى الظلامية التكفيرية في سورية تُدمّر دير “مار اليان” الأثري في القريتين وتُدمّر “معبد بعل شمسين” والذي هو من أكبر وأشهر المعابد الدينية في الشرق القديم، وقد بُني في القرن الأول الميلادي وأحيطت جدرانه بـ 375 عموداً طول الواحد منها أكثر من 18 متراً وهو من الضخامة بحيث لا يوازيه أي معبد آخر في الشرق، كما قطع داعش رأس “سيد السموات” في تدمر وهو مستمر بتدمير الآثار الإنسانية تدميراً كاملاً في إيبلا وتدمر وما بين النهرين وليبيا وتونس واليمن ومصر. ولا يتسع المجال هنا لنُفرد مساحة لكل أثر من هذه الآثار ونشرح للقارئ قيمته الإنسانية والتاريخية الفريدة، ولكن باختصار فإنّ تدميراً ممنهجاً يطال تراثاً إنسانياً فريداً شاهداً على عظمة الإنسان وعمق الحضارات في التاريخ وجمال التعايش البشري وإنتاجيته. فما هي ردود الأفعال التي نشهدها سواءً من الأمم المتحدة أو من منظمة اليونسكو أو من ” الأسرة الدولية” التي تدّعي الحرص على الحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟ مازلنا ولدى اختفاء كل أثر عن قائمة التراث العالمي نشهد إدانة روتينية لم يعد أحد تواقاً أن يقرأها أو يسمعها لأنها لا تعني شيئاً على مستوى الحدث ولا تعني موقفاً ولا حتى إرادة أو نيّة لفعل شيء حقيقي يوقف حرب الإبادة هذه والتي هي أخطر وأسوأ ما شهده القرن الحادي والعشرين.
لو كان الشعور الأسري حقيقياً لكان الموقف الدولي حازماً ومانعاً وجريئاً في اتخاذ كل الخطوات التي تضمن وقف هذه الإبادة. ولكنّ مسار الأحداث يُري أنّ رغبة كامنةً بتدمير حضارات وتراث العرب تعبرّ عن ذاتها في هذا الاستهتار البغيض بجسامة ما يحدث وعدم التحرك لوقفه وإلغاء الأسباب التي قادت إليه. نحن العرب نشعر أنّ طمس هوية العروبة عن هذه الأرض هو الهدف وأنّ ما يحلَ بنا اليوم يندرج ضمن مخطط يستمرّ عشرات السنين قبل أن يعلنوا رسمياً استبدال هوية بأخرى. ما نعيشه اليوم يُري أنّه لا توجد أسرة ولا قوانين أو شرعة دولية بل شريعة الغاب مغلفة بمصطلحات براقة هدفها ذرّ الرماد بالعيون لاجتثاث حضارة أصلية كما قاموا من قبل باجتثاث حضارات عريقة لا نعرف عنها اليوم إلاّ النذر اليسير.