انتصار سياسي جديد لأكراد تركيا محمد نورالدين
سجلت تركيا سابقتين في تاريخها، الأولى تشكيل حكومة انتخابية يطلق عليها اسم الحكومة المؤقتة، والثانية مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في هذه الحكومة. في السابقة الأولى لم يحدث أن فشلت محاولات لتشكيل حكومة جديدة بالشكل الذي فشلت فيه محاولة أحمد داود أوغلو بعد انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي. بمعزل عن الفشل الذي يحمّل الجميع مسؤوليته لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، فإن من نتائجه تبعاً للدستور تشكيل حكومة تتمثل فيها كل الأحزاب الموجودة في البرلمان بحسب عدد نوابها. وهذه الحكومة لا تحتاج لنيل الثقة من البرلمان وتمارس مهامها كما لو أنها حكومة عادية أي بكامل الصلاحيات لكل القضايا.
بمثل هذه الحكومة بلغ حزب العدالة والتنمية مراده في أن يواصل سيطرته على قرار السلطة التنفيذية إلى أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة وتشكيل حكومة أخرى جديدة، وفي حال انسداد الطرق أمام تشكيل حكومة جديدة لاحقاً فإن هذه الحكومة ستستمر في إدارة البلاد.
المعارضة رفضت المشاركة في الحكومة الجديدة لأنها لا تريد الانجرار إلى لعبة حزب العدالة والتنمية وإعطاء شرعية للحكومة بعدما رفض حزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة ائتلافية في الأساس. لكن الحكومة الجديدة ليست سوى عبارة عن حكومة لحزب العدالة والتنمية. إذ إنه رسمياً ممثل فيها بأحد عشر وزيراً من أصل 25 وزيراً لكن الوزراء الآخرين المستقلين ليسوا سوى أعضاء سابقين في حزب العدالة والتنمية أو مؤيدين على المكشوف للحزب.
السابقة الثانية هي مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الحكومة الجديدة بوزيرين. داود أوغلو اقترح في الأساس ثلاثة وزراء لكن أحد هؤلاء رفض المشاركة فبقي اثنان فقط من دون أن يكلف أوغلو نفسه عناء اقتراح اسم آخر بدل الممتنع.
في جميع الأحوال فإنها المرة الأولى التي يشارك فيها حزب كردي في حكومة تركية منذ تأسيس الجمهورية في العام 1923. وهذه ليست منّة من حزب العدالة والتنمية بل إجراء يفرضه الدستور في مثل هذه الحالة. ولقد كان بإمكان الحزب الكردي أن يفعل كما فعل حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية ويرفض إعطاء شرعية للحكومة الجديدة برفض المشاركة فيها. لكن حسابات الأكراد تختلف عن حسابات الآخرين.
وللمفارقة فإن داود أوغلو أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الماضية التقى بروتوكولياً مرة واحدة مع الحزب الكردي لكنه أعلن أنه يرفض أن يأتلف معه في حكومة واحدة. وفي المحصلة ها هو حزب العدالة والتنمية يجد نفسه في حكومة واحدة طرفها الآخر الوحيد هو حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ولو بوزيرين فقط.
لكن حزب العدالة والتنمية لم يسلم الحزب الكردي وزارات سيادية مثل الخارجية والمالية والدفاع والعدل والداخلية التي تتيح المشاركة في اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي.
السؤال هو لماذا يشارك الحزب الكردي في حكومة كاريكاتورية؟ الجواب هو أنه يريد إحراج حزب العدالة والتنمية بل النظام السياسي التركي كله الذي يحاول أن يعزل الأكراد بجناحه المؤيد لحزب العمال الكردستاني. ويعتبر الحزب أن مشاركته تعتبر من مكتسبات فرض الاعتراف بالحضور السياسي للحزب المتهم من جانب أردوغان بالتحديد بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً. أي أن وجود الحزب في الحكومة هو إدانة وصفعة لخطاب حزب العدالة والتنمية ولكل من يعتبر الحزب الكردي امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
مع تجاوز عتبة تشكيل حكومة الانتخابات وحسم إجرائها في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل سوف تتوجه الأنظار إلى المعركة الانتخابية في ظل حسابات متفاوتة للقوى السياسية. لكن الثابت أن هذه الانتخابات أرادها طرف واحد هو حزب العدالة والتنمية لكي يحاول تعويض خسارته في الانتخابات السابقة. وفي ظل انقسام المعارضة خصوصاً بين القوميين الأتراك والقوميين الأكراد، تسنى لحزب العدالة والتنمية فرض نفسه طرفاً في تشكيل حكومة جديدة وصولاً إلى إقرار إجراء انتخابات نيابية جديدة.
من الآن وحتى إجراء الانتخابات المقبلة فإن كل التكهنات الحالية عرضة للتغيير في هذا الاتجاه أو ذاك تبعاً لمستجدات الأوضاع خصوصاً في ظل انفجار الوضع العسكري مع الأكراد وتصاعد التوتر السياسي وتراجع الوضع الاقتصادي.
(الخليج)