غاز تحت الماء: تسفي بارئيل
جاءت الانباء عن اكتشاف حقل عملاق للغاز قبالة السواحل المصرية، مع بدء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التاريخية، لسنغافورة، وهو في طريقه إلى الصين. ومن كان يصغي جيدا اليه فقد لاحظ جيدا علامات الارتياح العظيم التي صدرت عنه اثناء حديثه.
ففقط قبل شهر واحد، صادق الرئيس السيسي على الاتفاق بين بلاده وبين شركة (BWGAZ) النرويجية، التي تتخذ من سنغافورة مقرا لها، من اجل تزويد الغاز السائل لمصر بمعدل 60 مليون دولار سنويا ـ وهو الاتفاق الذي من شانه ان يسد القليل فقط من احتياجات مصر للغاز. وفي الشهر الفائت قررت مصر تخصيص 3 مليار دولار ونصف المليار من اجل استيراد 7.8 مليون طن من الغاز السائل، ولكن حتى هذه الكمية ايضا ليس من شأنها ان توفر للصناعيين جميع احتياجاتهم من الغاز. وكان السيسي قد اوضح قبل بضعة شهور لمجموعة من الصحافيين انه لن يكون هناك مناص من تقليص ومن رفع اسعار الوقود، لانه «لا يوجد لدينا الاموال من اجل شراء ما تحتاجه الدولة من الغاز والنفط».
الا انه بالامس كان بإمكان المتحدث بإسم وزارة الطاقة المصري ان يعلن انه «خلال خمس سنوات فإن مصر لن تكون بحاجة إلى استيراد الغاز». وعلى الرغم من ان البورصة المصرية لم تتأثر جدا من الاعلان واغلقت بالامس فقط على ارتفاع ثلث بالمائة، ولكن في مصانع الاسمنت والحديد الكبرى، والذين اضطروا مؤخرا لتقليص انتاجهم بسبب النقص في الطاقة، وتخفيض الدعم الحكومي على الغاز بنسب تتراوح ما بين 35-70 بالمئة، فإنهم يتحدثون عن عصر جديد ـ عصر لن تعود فيه المصانع للعمل بكامل طاقتها فحسب، بل ان المستثمرين الاجانب سوف يصلون إلى البلاد، التي تحتاج إلى مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة، ولان نرى بإكتشاف الغاز سبب جيد من اجل إقامة مصانع جديدة.
ولكن، بعيدا عن الاهمية الاقتصادية التي سوف تكون لاكتشاف الغاز بالنسبة للاقتصاد المصري بعد وقت قصير من تدشين المسار الثاني من قناة السويس، فإن اكتشاف الغاز يبث روحا سياسية داعمة لنظام السيسي. ففي مصر فإن الغاز ليس منتجا استهلاكيا فقط، ففي السنوات الاخيرة تحول إلى رمز لفشل الحكومات المصرية في إدارة الشؤون الاقتصادية. انقطاع التيار الكهربائي لفترات، النقص الدائم في غاز الطهي والصناعي والسوق السوداء التي تطورت حولهما، والتي احتلت مكانا مركزيا في الخطاب العام.
لقد كانت طريقة التعامل مع قطاع الغاز، احد الاسباب الرئيسية للمطالبة بتقديم الرئيس الاسبق حسني مبارك للمحاكمة، والدعوى ضده استندت إلى اتفاق الغاز من العام 2005، الذي بيع الغاز بموجبه، لاسرائيل بسعر 70 سنت مقابل المليون وحدة حرارية، في الوقت الذي كان يباع في السوق العالمي بسعر 2.65 دولار، في نفس الوقت الذي كانت تعاني فيه مصر من نقص بالغاز. ولقد اعتبر إلغاء هذا الاتفاق في العام 2012، «بداية السلوك الوطني»، الا ان هذا ايضا تلقى ضربة قبل عام من ذلك، عندما اعلن وزير الطاقة المصري عن نيته شراء الغاز من اسرائيل.
وقد جاء في احدى الصحف المصرية ان « اسرائيل فرضت هيمنتها على مصر بواسطة الغاز» وابدى الناطق بلسان منظمة «ضمير مصر»: «ان هذا تهديد حقيقي للامن القومي لمصر… فكيف تحولنا خلال سنتين من دولة مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة له». ولكن هذا الانتقاد تراجع على ضوء المعاناة التي حصلت نتيجة النقص بالغاز. كما انه على ما يبدو، فإن التعاون العسكري بين مصر واسرائيل في محاربة ارهاب الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء، بالاضافة إلى ان التقارب في المواقف تجاه حماس، ساعد ايضا في تليين الانتقادات لشراء الغاز، ولكن الان فلا يتوجب على السيسي اعطاء تفسيرات محرجة بالنسبة للصفقة مع اسرائيل.
ولكن، وحتى مع وصول هذا الاكتشاف، بعد سنتين او ثلاثة، لمرحلة الاستثمار الاقتصادي، فإنه لن يضمن استقلال مصر في مجال الطاقة. فهي ما زالت تستورد كميات كبيرة من النفط من دول الخليج، وعلى الرغم من منح النفط التي تتلقاها من العربية السعودية ومن دولة الامارات العربية المتحدة، الا انه ما زال عليها التزامات تقدر بحوالي 3.5 مليار دولار لشركات النفط عليها تسديدها قبل نهاية العام 2016. كما ان مصر عليها التزامات مالية لشركة (Eni)، التي اكتشفت حقل الغاز وسوف تجني 30 بالمئة من الارباح التي ستنتج عنه. ولكن كما هو الحال في اسرائيل، فإن لخيار المكسب اهمية سياسية، لانه في اعين الجمهور، فإن الانجاز الحقيقي هو للحكومة وليس لشركات التنقيب. كما قد يكون لذلك تأثير على الانتخابات البرلمانية، الاولى منذ صعود السيسي للسلطة، والمقرر ان تجري على جولتين، في تشرين اول وتشرين ثاني، حيث ستستكمل هذه الانتخابات خارطة الطريق السياسية التي وضعها السيسي قبل سنتين، ومن شأنها ان تمنح مصر هدوءا سياسيا وللسلطة الشرعية الدستورية. فعندما تكون مصر غارقة في صراع دموي مع المنظمات الارهابية، والرئيس عرضة للانتقادات لعدم نجاحه في وقف العمليات التفجيرية اليومية، فليس افضل من محيط من الغاز من اجل تقوية مناصريه في الانتخابات.
هآرتس