مقالات مختارة

الاندفاع العفوي وحق التخريب ومسؤولية السلطة عامر نعيم الياس

 

النظام الذي أرساه اتفاق الطائف في لبنان كان على الدوام عرضةً لاهتزازات أمنية لم يكن فيها للداخل يد سوى في إطار رغبات أوامر أمراء الطوائف. لكن المشهد العام والمقياس البياني للتوترات في لبنان بدأ مع خروج القوات السورية منه في نيسان 2005 على إثر القرار الدولي الشهير 1559 الذي اتّخذ أواخر العام 2004. فالصراع على السلطة ومحاولة تغليب إرادة طرف على الطرف الآخر، ظنّاً منه أن أساس القوة السورية في لبنان، كان عبر التواجد العسكري المباشر لـ14 ألف جنديّ سوريّ، لم يتوقف واستمر حتى اللحظة مع اختلاف العوامل التي توجّه هذا الصراع مع انفراط عقد معادلة «سين ـ سين».

اليوم نشهد حراكاً مختلفاً في لبنان تقوده قوى شعبية تسعى جاهدةً إلى التغطية على انتماءاتها الحزبية ولا تأتمر بأمر ملوك الطوائف. حيث يتطوّر الحراك المستمر منذ حوالى ثلاثة أسابيع واعتصام السبت الماضي كان مثالاً على وجود إجماع في أوساط الشباب اللبناني على ضرورة التغيير في البلاد. في وقت لا تزال الطبقة السياسية الحاكمة تعتمد المناورة لكشف النوايا الحقيقية للحراك الذي أثار تهافت وسائل الإعلام اللبنانية على تغطيته الشكوك لدى بعض الساسة والمراقبين لمعرفتهم التي لا يمكن الجدال فيها بأوامر العمليات التي تدير بعض المحطات في لبنان وحجم الأسهم المملوكة لأموال البترو دولار. هنا قد يسمي لك بعض المختصين في الشأن اللبناني اسم الجهة المانحة استناداً إلى مقدّمة نشرة أخبار قناة ما.

لكن، على رغم الشكوك التي تثار حول الحراك، وعلى رغم ما ذكره رئيس تحرير «البناء» عن وجود محاولات لشيطنة السيّد حسن نصر الله. إلا أن الطبقة السياسية اللبنانية تقف عاجزة في مواجهة حراك يتميّز عما سبقه من اضطرابات داخل لبنان بأنه غير طائفي أولاً، وبأنه حراك الطبقة الوسطى ثانياً. وهنا مكمن الخطورة، فضلاً عن بروز قادة في الشارع والإعلام بطبيعة الحال على نمط قادة «الربيع العربي» والذي يستمد الحراك في لبنان بعضاً من زخمه من الإرث السيئ الذي أرساه في بعض الدول العربية. إذ يلاحظ عدة أمور أهمها: التطوّر السريع للحركة الاحتجاجية ومواكبة الإعلام المبالغ فيها على الأرض، وهو ما أطلق معركة بين بعض وسائل الإعلام اللبنانية للظفر بلقب «الجزيرة» في لبنان. إضافةً إلى أن التطور السريع في الحركة الاحتجاجية المطلبية المحقة حتى اللحظة حمل في الساعات الأخيرة ما يمكن تسميته بالاندفاع العفوي القائم على نية التخريب الذي شرّعه الربيع الأميركي في المنطقة على قاعدة تغيير الأنظمة القائمة. فكيف تطالب أن تواجهك السلطات المعنية وأن تعلن جهاراً أن نيّتك هي الاقتحام وإرغام وزير على الاستقالة، «وزير بيئة» لا نعرف ما تأثيره في معادلات الحكم والفساد في لبنان وفي ملف النفايات تحديداً. هل من واجب السلطة القائمة أن تحاور من يريد اقتحام مؤسسة من مؤسسات الدولة، وإن حاورته ولم يستجب لها بعد تحقيق أمنيته بالاقتحام فكيف يمكن إخراجه من المكان الذي اقتحمه؟ ماذا عن الاقتحام وأهدافه، وماذا عن تحركات التيار الوطني الحر التي ضاعت في عاصفة «طلعت ريحتكم». هل من رابط بين الحراكَين غير الفساد الذي أنتجهما؟

أما الطبقة السياسية في لبنان والتي أطلقت مبادرة سياسية للحوار، فما هو الجديد في مواقف الأطراف المتحاورة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه بعد طاولة حوار استمرت بالانعقاد عدة سنوات؟ هل الهدف من الطاولة الجديدة العودة إلى التوافق الإقليمي المفقود؟ أم ترسيخ معادلة جديدة في الداخل وتحميل الشغور في منصب الرئاسة مسؤولية ما يجري في البلاد، وبالتالي فرض موظّف بهيئة رئيس جديد للبنان لتجاوز عقدة الرئيس التمثيلي الحقيقي؟

لبنان في عين عاصفة. والثقة بين الشارع والساسة أصبحت معدومة إلى الحد الذي يفرض تغييراً لثوابت فخامة الفراغ، ومجلس التمديد، وحكومة الشلل. أما الأيدي الخفية التي تحاول توجيه الحراك، فلا نملك سوى التنبيه من خطورتها في زمن ربيع التخريب والتدمير والخيانة والإفقار.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى