أسرار «اجتماع الفجر»: هكذا تم التخطيط لاقتحام وزارة البيئة جعفر العطار
عند الساعة الثالثة إلا ربعا من فجر أمس، تم حسم «القرار السرّي»، بصورة شبه نهائية: «اليوم الثلاثاء (أمس) سنقوم باقتحام مقرّ الوزارة قبل الواحدة ظهراً، سلمياً، بالتزامن مع انعقاد اجتماع حملات ومجموعات وجمعيات الحراك المدني. لكن حتّى الساعة، لا أحد يعرف بالقرار السرّي إلا أنا وثلاثة أفراد في حملتنا، وأنت»، يقول أحد مؤسّسي حملة «طلعت ريحتكم» لـ «السفير» قبل حلول الساعة الرابعة فجراً، في اتصال هاتفي .
بعد الاتصال، يرسل المصدر نفسه رسالة هاتفية نصّية لـ «السفير»، توضح: «الوزارة: البيئة»، ثم تليها رسالة ثانيّة: «حتى الآن، لا أحد من أفراد الحملة يعرف بالقرار، لكننا سنخبر المعنيين منهم ومن حملتين ثانيتين، قبل الموعد بنصف ساعة، لنحشدهم للاقتحام، وسندعو ممثلي وسائل الإعلام المرئية إلى الحضور بحجّة عقد مؤتمر صحافي، ثم يدخلون معنا إلى مقرّ الوزارة ليتم توثيق التفاصيل، ونقلها مباشرة».
لكن، قبل اتخاذ القرار النهائي فجراً، كان الاجتماع السرّي الذي عُقد بين ثلاثة أفراد من مؤسسي حملة «طلعت ريحتكم» عند العاشرة ليلاً، يأخذ منحاً متعرجاً، بدأ بأسئلة عدة، أبرزها: هل نعلن الثلاثاء (أمس) عن فك ارتباطنا نهائياً بمجموعات وحملات وجمعيات الحراك المدني؟ كيف نفعل ذلك؟ ما هو شكل الرّد على انتهاء المهلة الزمنية التي حددناها لتحقيق مطالبنا؟ هل نتظاهر أمام وزارة الداخلية؟ متى؟ اليوم أم الأربعاء بالتزامن مع صدور نتائج تحقيقات وزارة الداخلية؟ هل نرسل مندوباً عن حملتنا لحضور اجتماع ممثلي حملات الحراك عند الساعة الواحدة اليوم، أم نقاطع الاجتماع؟
في تلك الأثناء، كان أحد أبرز الناشطين في الحراك المدني يتصل هاتفياً بشخصين من المجتمعين الثلاثة، لسؤالهما عن اسم المندوب الذي سترسله الحملة إلى الاجتماع «المصيري» الذّي حدّد عند الواحدة ظهرا للاتفاق على الخطوات التصعيديّة إلا أنهما لم يجيبا على اتصالاته المتكررة، فأدرك أن «أمراً غريباً يحدث»، وفق إفادته لـ «السفير»، موضحاً: «ثمة معطيات لدينا مفادها أن أفراداً في حملة طلعت ريحتكم يتجهزون لإبلاغنا بجملة من الاعتراضات تتعلق بالمشاركين في الاجتماعات اليومية».
إلا أن ما كان يجهزّه المسؤولون في حملة «طلعت ريحتكم»، وفق إفادة مؤسس الحملة عماد بزي لـ «السفير»، بدا أبعد من ذلك: «بعد قليل (عند الثامنة من مساء أمس الأول الإثنين)، سأتوجه للمشاركة في حلقة تلفزيونية أخيرة، ثمّ، وبعد انتهاء الحلقة مباشرة، سنعقد، أنا وشخصين من حملتنا، اجتماعاً سرّياً. وما سأقوله لك الآن سيبقى سراً حتى يوم غد الثلاثاء»، مضيفاً: «لدينا نيّة غير مكتملة بعد، تقضي بالإعلان عن فك ارتباطنا بكل الحملات والجمعيات والمجموعات في الحراك المدني، ولم نعرف بعد كيف سنردّ على وزيري البيئة والداخلية محمد ونهاد المشنوق، لكن عند حلول الفجر تقريباً، سنكون قد توصلنا إلى القرارات اللازمة، وسأبلغك بالتفاصيل».
وصل بزي إلى الاجتماع. كان في انتظاره اثنان من المسؤولين في الحملة، وبعد مرور نحو ساعتين، أبلغ «السفير» بالمستجدات قائلاً: «ساعة هيك، وساعة هيك. بعدنا ما عارفين شو نعمل. أنا ضد انتظار نتائج تحقيقات وزارة الداخلية الأربعاء لنتحرك بعد صدورها، لأنو منكون رضخنا لاستفزاز نهاد المشنوق، بس أنا مع فك الارتباط بكل حملات الحراك، علماً إنو ما عارف كيف ومتى»، مبرراً رغبته بالقول: «للصراحة، الوضع ما منيح أبداً معن. فيه نصف منهم بده يستدرجونا لمحل نكون فيه مع «حزب الله»، والنصف التاني بده منا نكون مع «تيار المستقبل»، بينما نحن ضد الحزب وضد المستقبل، بالإضافة إلى انه فيه أشخاص عم يفرضوا علينا قرارات، علماً إنّو هنّي ما بمثّلو أي مجموعة».
وقال بزي، في المكالمة الهاتفية ذاتهــا: «بدّن بالحراك يعملوا ائتلاف جامع لكل الحملات والمجموعات، وبالتالي يلغوا اسم حملة «طلعت ريحتكم»، وهيدا أمر نحن ما موافقــين عليه، لأنو نحن بدأنا التحــركات من اليوم الأولّ، ولأنوه ما منعرف مين بمثّل مين بهيدا الائتلاف، لدرجة فيه أوقات بكون موجود مخبرين بالاجتماعات، وأشخاص ما منعرف هنّي شو وضعن وليه معنا!».
القرار النهائي
بعد انتهاء «الاجتماع السرّي» فجراً، كشف بزي لـ «السفير» عن التوصّل إلى القرار النهائي، القاضي باقتحام مقرّ وزارة البيئة سلمياً، من أجل الضغط على الوزير محمد المشنوق بـ «ضرورة الاستقالة فوراً»، موضحاً: «إذا نجحنا واستقال، سننتقل، بعد يوم أو أكثر بقليل، إلى شركة الكهرباء للاحتفال بتحقيق مطلبنا الأوليّ، ومن هناك نعلن عن الخطوة التصعيدية من أجل تحقيق المطلب المتعلق بتوفير الطاقة الكهربائية 24 ساعة».
وأكد بزي، قبل حلول الرابعة فجراً، أن «خلافنا مع الحملات الباقية، يكمن في أنّهم يرفعون مطالب من المستحيل تحقيقها في الوقت الراهن ويريدون أن نكون مع 8 أو 14 آذار، بينما نحن في حملة «طلعت ريحتكم» مستقلّون سياسياً، ونريد حصر مطالبنا، كخطوة أولى، في معالجة أزمة النفايات فوراً، ثم ننتقل إلى المطلب الرقم 2 وبعده المطلب الرقم 3 تدريجياً، لنضمن بقاء ثقة الناس بعقلانية تحركاتنا»، مؤكداً «انني لا أتلقى دعماً مالياً من أي سفارة أجنبية، بل إنني، مالياً، مديون، ثم إذا كان أي أحد يملك دليلاً في شأن ارتباطي بجهة داخلية أو خارجية، فليقدّمه أمام الرأي العام».
عملية «ذكية.. وخبيثة»
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، بدا واضحاً أن حملة «طلعت ريحتكم» لم تقرر «رسمياً» إذا كانت ستعود عن قرارها، غير المُعلن بطريقة مباشرة، في شأن «فكّ الارتباط» بالحراك المدني، خصوصاً أن اثنين من مسؤوليها قالا إجابات متناقضة لممثلين عن مجموعات «وازنة» في الحراك، رداً على أسئلة متعلقة بالتحضيرات للخطوات المُرتقب تنفيذها اليوم.
في المقابل، أوضح أحد أبرز الناشطين الحياديين في الحراك، عربي عنداري، لـ «السفير» قائلاً: «نحن في اللجنة لا نعترف بمصطلح فك الارتباط، لا من قريب ولا من بعيد، ونراهن حالياً على الوعي والمسؤولية للوصول إلى صيغة جماعية هدفها الأساسي تحقيق مطالب الحراك تباعاً، علماً أن ما حدث اليوم (أمس) في وزارة البيئة يعدّ تحركاً سلمياً نفذته حملة «طلعت ريحكتم»، لأنه من الطبيعي حصول مبادرات تصعيديّة سلميّة متنوّعة».
وقال ناشط آخر، رفض نشر اسمه، إن «اقتحام حملة طلعت ريحتكم لمقر وزارة البيئة يُعدّ أمراً ذكياً وخبيثاً في الوقت نفسه»، شارحاً: «قبل نحو 20 دقيقة، أبلغ معنيون في الحملة إحدى الناشطات في حملة «بدنا نحاسب» بقرار الاقتحام، وذلك بهدف ضرب الحراك الجامع، خصوصاً أن توقيت التنفيذ كان بالتزامن مع اجتماعنا. أما الأمر الذّكيّ في طريقة تنفيذ القرار، فيكمن بأن المسؤولين في «طلعت ريحتكم» أرادوا أن يقولوا للدولة وللرأيّ العامّ وللحراك، بأنهم هم الأساس وهم من يقررون كيفية التصعيد وتوقيته».
مع ذلك، وفق الناشط، قرر ممثلو الجمعيات والحملات في الحراك المدني، احتواء الحدث، وبدلاً من مناقشة الشكل التنظيمي للحراك في الاجتماع، والخطوات المتعلقة بمهلة الـساعات الاثنتين والسبعين (انتهت عند السابعة من مساء أمس)، انكبوا على صياغة بيانين هدفا إلى استباق أيّ تصرّف غير مسؤول من «طلعت ريحتكم». وبدا واضحاً، في البيانين، أن «لجنة متابعة حراك 29 آب» مصرّة على الوقوف إلى جانب الحملة والتضامن معها بكل السبل المُتاحة، وأعلنت عن تحضيرها لخطوات تصعيدية تنفذ تدريجياً، مؤكّدة للرأي العام، بطريقة غير مباشرة، أن الحملات كلها تقف في صف واحد.
لكن الهاجس الأبرز، اليوم، يكمن في الإجابة عن سؤال أساسي: هل ستنفصل حملة «طلعت ريحتكم»، سواء «رسمياً» أم بصورة مواربة، عن «لجنة متابعة حراك 29 آب»، مما قد يؤدّي إلى إضعاف الحراك السلميّ الذي لم يشهد لبنان مثيلاً له منذ عقود، أم انّها ستعمد إلى مد يدها للجنة من أجل تجاوز خلافات المرحلة الراهنة، بدلاً من رسم صورة مأساوية في حال ظل موقفها ملتبساً: عراك في حراك يشبه الحرب المستعرة المستمرة بين 8 و14 آذار؟