الموقف الأميركي من سورية: وصفة للتصعيد حميدي العبدالله
في بيان صادر عن الخارجية الأميركية، بعد لقاءات أجراها المبعوث الرئاسي الأميركي إلى سورية مع مسؤولين في الخارجية الروسية، جاء في البيان الأميركي حرفياً: «إنّ الولايات المتحدة تواصل التزامها القوي بتحقيق انتقال سياسي حقيقي قائم على التفاوض بعيداً عن الرئيس بشار الأسد بهدف وضع حدّ للعنف».
تنطوي هذه العبارة على الكثير من الدلالات:
أولاً، التساؤل عن التفاوض بين من ومن؟ إذا كان الرئيس بشار الأسد الذي يمثل الدولة السورية بمؤسساتها المختلفة والذي يقوم بالدور الرئيسي في مكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيمات «داعش» وفروع القاعدة الأخرى، لا تفاوض معه وغير مرشح للتفاوض، وبديهي لا يجرؤ لا الأميركي ولا غيره إلى تبني رسمي للتفاوض مع «داعش» وفروع القاعدة الأخرى، ولا سيما «جبهة النصرة»، وهي التنظيمات التي تسيطر على المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة، فمن هي إذن القوى التي يجب أن تتفاوض لوقف العنف في سورية، وهل التفاوض بين موسكو وواشنطن، وبين الائتلاف المعارض، وأيّ قوى سورية أخرى خارج الدولة من شأنه أن يقود إلى وقف العنف في سورية، وكيف يمكن أن يحصل ذلك، وهل تدخل عسكري أميركي أو غير أميركي بمقدوره أن يوقف العنف إذا استهدف جميع الأطراف المتصارعة في سورية، أم أنه يقود إلى تصاعده ويزيد مآسي السوريين؟
ثانياً، الموقف الأميركي يعني بوضوح عرقلة أي جهد جدي، أولاً لوقف العنف، وثانياً لمكافحة الإرهاب، لأنّ واشنطن تشترط لمكافحة الإرهاب أن يكون عملاؤها وحدهم في المواجهة في سورية، ولكن هؤلاء العملاء منبوذين في سورية ومرفوضين من جميع الجهات، من الدولة والمؤيدين لها، ومن التنظيمات التكفيرية الإرهابية وأنصارها.
الموقف الأميركي يستوجب رداً من روسيا قبل أيّ جهة أخرى، أولاً، لأنّ التصريحات الأميركية الجديدة جاءت بعد لقاءات المبعوث الأميركي مع المسؤولين الروس، وثانياً، لأنّ مواقف الولايات المتحدة هذه من شأنها خلق البيئة الملائمة لاستمرار الحرب، وتعاظم دور وخطر التنظيمات الإرهابية. في حال واحدة يمكن فهم عدم المبادرة للردّ من قبل موسكو على تصريحات الخارجية الأميركية، إذا كان لدى المسؤولين الروس التزامات أميركية غير معلنة، تشير إلى أنّ خطابهم العملي غير خطابهم العلني، وهذه مسألة غير واضحة حتى الآن.
(البناء)