مقالات مختارة

ما هو مسموح لصحافة المتمردين السوريين محظور على الصحافة التركية: تسفي برئيل

 

«لا يوجد مثل الجلوس في قصر، محاط بالحرس. أو السفر في سيارة مصفحة والقول: أريد أن أكون شهيداً. إذا أردت أن تكون شهيدا فاذهب لتصبح شهيدا»، هذا ما قاله مهمط إلكان لوزير الطاقة التركي طانر إلديز بعد أن أعلن الأخير أن طموحه هو «أن يكون شهيدا».

العقيد إلكان هو شقيق النقيب علي إلكان الذي قتل قبل عشرة ايام في هجوم إرهابي جنوب شرق تركيا. ربما أن جنازة علي لم تكن لتحظى بهذا الاهتمام من الرأي العام على خلفية الحداد والغضب الذي ساد في تركيا في أعقاب قتل أكثر من ستين جنديا وضابطا في الحرب التي تديرها الدولة ضد حزب العمال الكردستاني الـ بي.كي.كي وضد العمليات الإرهابية. لكن العقيد إلكان لم يستطع السيطرة على مشاعره، لا سيما بعد رؤيته الرئيس رجب طيب اردوغان يلقي خطابا سياسيا وهو يضع يده على تابوت شقيقه. «من الذي تسبب بموته؟»، صرخ إلكان، «إنهم اولئك الذين قالوا لنا إنه يوجد حل للمشكلة الكردية، وهم يتحدثون الآن عن الحرب».

هذه الكلمات المباشرة من ضابط رفيع المستوى هي ضربة مباشرة ومحطمة للروح الوطنية القومية التي يحاول اردوغان بثها. وقد وجدت تعبيرها في جنازة سابقة لجندي عندما قال: «كم هي سعيدة العائلة التي يسقط إبنها شهيدا».

النقاش العاصف بين إلكان واردوغان ووزير الطاقة إلديز وقف فورا في بؤرة اهتمام وسائل الإعلام التركية على جانبي المتراس، ردا على المقالات شديدة اللهجة التي نشرت في وسائل إعلام المعارضة التي ما زالت تستطيع انتقاد اردوغان. وقد تجندت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة بالاضافة إلى آلاف النشطاء الذين تُشغلهم الحكومة في الشبكات الاجتماعية من اجل الرد. هؤلاء النشيطين في الشبكات الاجتماعية أداروا هجوما شاملا على إلكان حيث وصفوه أنه يعمل من اجل «الحكومة الموازية»، وهو لقب حركة بتهولة جولان، المتهمة بالسعي إلى التغلغل عميقا في الاجهزة الحكومية، وطلبوا من الجيش فحص أقواله ومحاكمته، وايضا طرده من الجيش. وحسب تقارير في وسائل الإعلام التركية، فقد طلب الجيش من إلكان الكف عن الحديث في موضوع موت شقيقه. وتمت الاشارة في وسائل الإعلام إلى أنه يفضل عدم تغطية الجنازات التي تتسبب بالهياج الشعبي.

قبل الانتخابات البرلمانية بشهرين، حينما كان الرئيس في حملة لانقاذ حزبه الذي لم يفز بالاغلبية المطلوبة من اجل تشكيل حكومة أحادية الحزب، لا يستطيع اردوغان ترك وسائل الإعلام لتحدد البرنامج اليومي. كل تغطية إعلامية يجب أن تكون تحت السيطرة، حيث اعتقلت قوات الأمن صحافيين بريطانيين هما جيك انرهان وفيليب بندلبي، وهما يعملان في موقع الصحافة المحققة «فايس»، لأنهما عملا بدون اذن صحافي رسمي حسب قول الشرطة. الاثنان حاولا تغطية الاحداث في ديار بكر، عاصمة المقاطعات الكردية، حيث تدور هناك حرب بين الجيش وبين الـ بي.كي.كي التي قتل فيها مدنيون ايضا. وقد يتم اتهامهما بمساعدة الـ بي.كي.كي.

«مساعدة الـ بي.كي.كي» مادة غامضة قد تكون عقوبتها كبيرة جدا. هل تغطية أخبار العمليات بطريقة لا ترضي الحكومة معناها مساعدة الإرهاب؟ هل الانتقاد اثناء جنازة لسياسة اردوغان هو مخالفة؟ «كلما اقترب موعد الانتخابات سنشهد صحافيين يتم اتهامهم بهذه المادة»، قال أحد المحررين في صحف المعارضة، «منذ حزيران، حينما فشل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وعلى خلفية فوز الحزب الكردي الذي دخل إلى البرلمان، حول اردوغان المسألة الكردية إلى مسألة قومية. لكن إذا كان حلم اردوغان قبل الانتخابات هو مصالحة الاكراد فستكون الحرب عليهم بعد الانتخابات هي الورقة الحقيقية له في الاشهر القادمة».

حرب اردوغان للصحافة ليست جديدة. ففي السنة الماضية وضعت تركيا في المكان الـ 154 في قائمة حرية التعبير من قبل تنظيم «صحافيون بدون حدود». بقي أمام وسائل الإعلام التركية الحرة النظر بشيء من الغيرة إلى الوسط الصحافي الوحيد الذي يعمل بحرية في تركيا: صحافة المتمردين السوريين الذين تعززوا جيدا في تركيا في السنوات الثلاثة الاخيرة. 15 محطة اذاعية للمعارضة السورية توجد في تركيا اضافة إلى المواقع التي تنشر صحف مطبوعة.

هذه المواقع والصحف تصدر باللغة العربية وتحظى بالتمويل من جمعيات دولية. وقد تم اتهام بعض هذه الجمعيات في السابق بالتدخل في الشؤون التركية الداخلية بسبب تأييدها لمنظمات حقوق الانسان. لكن ما هو مسموح لصحافة المتمردين السوريين محظور على الصحافة التركية. فالسوريون لا يشاركون في الانتخابات البرلمانية.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى