مقالات مختارة

عناصر القوة حول الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي جابي سيبوني

 

لم يكن لنشر الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي، التي تشكل علامة فارقة في تطور العلاقة بين الجيش ومواطني الدولة، اية سابقة. كما لا يمكن التقليل من اهمية الشفافية التي تم التعبير عنها في عملية النشر بحد ذاتها ويجب الترحيب بذلك. وعلى الرغم من ان هذه الوثيقة لم تكتب على ضوء توجيه سياسي او للتعبير عن اي وجهة نظر امنية وطنية مكتوبة، الا ان العقيدة الشفوية الذي تطورت في إسرائيل على مدار السنين وفرت ارضية صلبة لبلورة استراتيجية. ولذا فإن نشر الوثيقة يوفر فرصة لاختبار الاستراتيجية الجديدة للجيش الإسرائيلي في مواجهة التحديات التي يتوجب على وجهة النظر الامنية مواجهتها. بعد مناقشة خلفية المحيط الاستراتيجي لدولة إسرائيل، تتطرق الوثيقة إلى عناصر العمل الرئيسية للجيش الإسرائيلي: تفعيل استخدام القوة، القيادة والتحكم في الجيش، بالاضافة إلى ـ مبادئ بناء القوة المستمدة من المحيط الاستراتيجي ومن عناصر العمل .

هدف الجيش الإسرائيلي في الوضع الروتيني:

اعتاد الجيش الإسرائيلي على العمل في الوضع الروتيني، في ميدان العمل العسكري الاعتيادي. هذه الاعمال تركزت بشكل اساسي بالدفاع عن الحدود وفي النشاطات داخل المناطق، حيث تكون للجيش السيطرة والسيادة فيها. وفي المقابل، فإن وثيقة الجيش الإسرائيلي تخصص اختبارا واسعا جدا لهدف الجيش في الوضع الروتيني وموضوعها تحديدا منظومة العمل الدائمة، التي تشمل إبعاد شبح الحرب وتمكين الدولة من التمتع بفترة هدوء طويلة الامد قدر الامكان.

لقد تم تحديد اربعة اهداف لـ «المعركة بين الحروب»: إضعاف عناصر القوة السلبية لدى المحيط، على غرار حزب الله، حماس، منظمات الجهاد وغيرهم، تقليص قوة الاعداء بواسطة منعهم، واحيانا بالقوة، من التزود بالوسائل القتالية الاستراتيجية «كسر التوازن»، الذي من شأنه ان يقيد من حرية عمل الجيش الإسرائيلي بصورة فاعلة ويزيد من احتمال الضرر المحتمل ضد إسرائيل، خلق الظروف الجيدة للنصر في الحرب المستقبلية بواسطة العمل، على تحسين قدرة العمل لدى الجيش الإسرائيلي، ترسيخ المشروعية لنشاطات إسرائيل، ولسحب مشروعية عمل الاعداء ـ ومن الامور المستخدمة بهذا الخصوص، كشف منهجية طريقة عمله، بإستخدامه الدروع البشرية. كل ذلك، بواسطة عمليات سرية، ومخفية متعددة المجالات، والتي تدمج إلى جانب النشاطات العسكرية، نشاطات إعلامية، اقتصادية، قانونية وسياسية.

مواجهة:

في المعارك الاخيرة في لبنان (2006) وفي قطاع غزة (2009، 2011، 2014)، عمل الجيش الإسرائيلي انطلاقا من وجهة نظر السحق والتحطيم، حتى ولم لم يتم التبني الصريح لسياسة تحطيم العدو على اعتبار انها المبدأ التوجيهي للعمل. فهكذا استخدم الجيش الإسرائيلي قوة هائلة وكثافة نيران، من اجل سحق قدرة العدو وبناه التحتية العملياتية. لقد دفعت الجبهة الداخلية في إسرائيل بسبب وجهة النظر هذه، ثمنا باهظا، عبر عن ذاته انه على الرغم من ديمومة القتال احتفظ العدو بالقدرة على إطلاق الصواريخ والقذائف. فالعدو الذي لم يكن قلقا على بقائه، كان بإمكانه ان يظل موجودا على الرغم من حجم الدمار الناجم عن اعمال الجيش الإسرائيلي.

على الرغم من وجهة النظر هذه، فإن وثيقة الجيش الإسرائيلي تعرض مجال عمل مختلف اختلافا جوهريا: يوقع الجيش الإسرائيلي ـ ردا على التحديات ـ بالعدو ضربة مزدوجة، فورية وفي نفس التوقيت. تفرد الوثيقة مكانا هاما للوظيفة الجديدة للعملية البرية. بحيث تكون مهمتها التغلغل إلى داخل ارض العدو بسرعة، من اجل تدمير وجوده السلطوي ولتدمير البنية العسكرية له. وفي المقابل استخدام كثافة نيران ضد آلاف الاهداف الموضوعة مسبقا والمتاحة. مع تدعيم مثل هذه الاعمال من قبل عمليات خاصة، عمليات تجسسية اليكترونية (سايبرية)، استخبارية نوعية والحماية الفاعلة قدر الامكان من نيران العدو. النشاط الفوري للمناورة ممكن عن طريق التدرج في عملية تجميع القوات. في المرحلة الفورية، حتى ولو كانت المناورة محدودة في اتجاهها بسبب قيود ترتيب القوات، فبإمكانها تحييد العوائق الجماهيرية (الإسرائيليين) والدبلوماسية (من قبل المجتمع الدولي ودول الشرق الاوسط) التي استثيرت في الماضي من اية عملية برية يقوم بها الجيش الإسرائيلي.

القيادة والتحكم:

وجهة نظر القيادة والتحكم للجيش الإسرائيلي حظيت بفقرة منفردة لها في الوثيقة الاستراتيجية، وذلك ليس مصادفة. فبدءا من سنوات التسعينيات تطورت لدى الجيش الإسرائيلي نظرة مفادها، انه من الممكن توحيد المشاكل العملياتية، والتي لها منطق عملياتي مشترك، تحت قيادة واحدة. وليس هذا وحسب، فوجهة النظر هذه عرضت ايضا اطارا منهجيا لتقييم الوضع، التي كانت مهمتها بلورة ما يمكن تسميته عندها بـ «الفكرة العملياتية». هذا الاطار كان مختلفا عن العقيدة الاساسية للجيش الإسرائيلي، المعتمدة لديه منذ تشكيله. لقد استندت النظرة العملياتية على الادعاء القائل، ان فن القيادة العملياتية تستوجب ادوات مميزة. لقد بلغ تغلغل وجهة النظر هذه إلى داخل الجيش الإسرائيلي، خلال الحرب اللبنانية الثانية، وخلق احراجا، وحيرة واحتكاكات. فقد رأت القيادات الميدانية بنفسها في عدة حالات كقادة للمعركة في ساحاتهم وطالبوا بصلاحيات موسعة لاستخدام القوة. ولقد تسبب هذا الارتباك في السنوات الاخيرة في رؤية القيادات الميدانية كقادة قتاليين وطالبوا بصلاحيات موسعة لاستخدام القوة.

وفي المقابل، فإن الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي حررت رئيس هيئة الاركان من السيف المسلط عليه والذي خلقته وجهة النظر العملياتية واصدر تعليمات دائمة وواضحة ان: رئيس الاركان هو القائد الميداني الوحيد في الجيش الإسرائيلي وهو من خلال القيادة العامة وبواسطتها فهو القائد على جميع القادة الميادنيين وجميع التعليمات التي تخص استخدام القوة، وانه يقع على عاتق القيادات الرئيسية واجب تطوير معلومات ميدانية في ساحاتهم، في حين ان الموارد العملياتية متاحة فقط في ايدي القيادة العامة وهي تخصصها للقيادات الرئيسية وفقا للمهام. يوجد لهذا التحديد اهمية جوهرية: فتركيز القيادات الميدانية على المهام الملقاة على عاتقهم فقط، يشكل حجر الاساس في وجهة النظر القيادية الجديدة للجيش الإسرائيلي. اما بخصوص تقييم الاوضاع، فقد حدد رئيس هيئة الاركان، ان اجراءات الادارة وادارة المعركة تكون موحدة في جميع حقول القيادة واساسها العقيدة الاساسية وبلغة مشتركة بسيطة وسريعة. (وهنا فقد اتبع رئيس هيئة الاركان طريق الجنرال باتو، الذي قال ان ما هو غير بسيط، لن يكون بسيطا…) ان الاعتراف باهمية اللغة المشتركة لجميع الرتب في الجيش الإسرائيلي ادت برئيس هيئة الاركان لان يقرر، انه يجب اقامة مدرسة مركزية للقيادة والسيطرة لجميع القيادات.

مبادئ بناء القوة:

نظرا لضيق المساحة، من المناسب التركيز على اثنين من مجمل طيف المبادئ الواسع المطروحة بهذا الخصوص ـ وكلاهما يعرض التغيير الاساسي في استراتيجية الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق ببناء القدرة على المناورة والنيران. الاول ـ يتطرق إلى وجهة النظر المتعلقة ببناء القوة البرية، وتحديدا بناء قدرة المناورة البرية. ويميز الجيش الإسرائيلي بين نوعين من المناورة، والتي يتم تفعيلها معا: المناورة التي تركز على مراكز الثقل السلطوي لدى العدو، والمناورة امام المجال التكتيكي له. بناء القوة بسمح بتفعيل قدرات المناورة فورا في بداية المواجهة. الثاني ـ يتطرق إلى بناء القدرة على استخدام النيران. كما حدد رئيس الاركان ايضا انه يجب تشكيل القدرة، التي تسمح بإنزال «ضربات نيران هائلة بقياسات دقيقة، وفي زمن قصير قدر الامكان وبمجال اهداف كبير». هذه المطالبة، إلى جانب المطالبة بقياسات المناورة، تدلل، ان الجيش الإسرائيلي هجر وجهة نظر التدرج في التصعيد التي رافقته في العقد الاخير، والتي بموجبها انه في كل مواجهة تتم ادارة حوار متحرك دائم ومتعاظم مع العدو. ان بناء القوة يتيح حاليا استخدام مشترك وفوري للمناورة، للنيران، للعمليات الخاصة وعمليات التجسس الاليكترونية (السايبرية).

ان تحليل الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي ابعد من ان يستنفذ، ولكن حاليا من الممكن تشخيص مبادئ التغييرات في استخدام القوة للجيش الإسرائيلي كما وجدت تعبيرها في إطارها بشكل واضح. صيغة هذه التغييرات، المطلوب تنفيذها على المدى البعيد، هي حجر الاساس في هذه العملية الهامة، كما سيتم تنفيذه خلال السنوات المقبلة. من طبيعة الامور، ان تطور العملية سوف يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بالميزانية، التي ستخصص من اجل تحقيقها لصالح تنفيذ التغييرات وكذلك ضمان قدرة قادة الجيش الإسرائيلي على استيعابها. لقد اثبتت تجارب الماضي، ان اجراء تغييرات بعيدة المدى، كما وردت في الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي، يستوجب تصميما وبدون مساومات.

نظرة عليا 1/9/2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى