حتى لا يقع الناس في الفخ
غالب قنديل
يفترض ان يتقرر اليوم مضمون الخطوات اللاحقة من الحراك الشعبي ويتحدث بعض المشاركين عن اتجاه للتصعيد من غير الإفصاح عن الوجهة والمضمون اللذين يدفعون نحوهما جمهورا ساخطا من الطبقات الوسطى والفقيرة حمل معه إلى الساحات هموما وغضبا بمصادر متعددة وانطلاقا من أزمة النفايات التي ما تزال على تفاقمها وباتت في عهدة لجنة جديدة من الخبراء يقودها وزير الزراعة.
أولا التصميم على إعطاء التحرك طابعا سياسيا كان واضحا منذ البداية ومن خلال بعض الشعارات والمداخلات التي تدفع مصادرها إلى حتمية الشك بمقاصدها وهذا ما أثار شبهات عديدة فعندما يتحرك جماعة “اليسار الديمقراطي” من 14 آذار ومعهم مجموعة عزمي بشارة إضافة إلى بعض ناشطي “الأنجيؤز” على إيقاع واحد وتحت عنوان محدد هو ” الطبقة السياسية ” التي يضعون في صدارتها قيادة المقاومة ويرددون شعار “كلكن يعني كلكن “.
لا يعني ذلك فحسب تعسفا سياسيا وافتراءا أخلاقيا وعدوانا على وعي الناس وتزويرا فاضحا للوقائع بل أكثر من ذلك إنه يعني محاولة تقديم تصور مقترح لتغيير سياسي في السلطة خارج الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية بل وضد المقاومة التي ضمنت توازنا رادعا ضد التهديد الصهيوني وتخوض قتالا مشرفا ضد عصابات التكفير ولم يكن أحد من المتظاهرين ليحظى بهامش الحرية والأمان في التحرك لولا تلك المقاومة ودورها وكل كلام عن مستقبل السلطة السياسية لا يتضمن الالتزام بالمقاومة وبحمايتها ينطوي على شبهات خطيرة لا يمكن السكوت عنها.
ثانيا إن تجهيل المسؤوليات عن الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتأزم لا يبدو عفويا بل هو تحضير لتبرير التعميم المضلل فمنذ اتفاق الطائف قادت الحريرية البلاد بدعم اميركي سعودي واضح في طريق الخصخصة والتقاسم وتعيين هذه المسؤولية بالذات لا يتطلب جهدا استثنائيا ولا قيمة لأي اقتراح للتغيير السياسي لا يقوم على الإطاحة بالنهج الحريري الذي اورث الدين وأقام التقاسم وأسس للفساد المعمم وللفقر والإفقار.
وإذا قبلنا فرضية تحاشي الاحتكاك المباشر بأي من الجهات السياسية فالسؤال سيطرح نفسه عن تعمد استفزاز جهات دون اخرى من قبل بعض الناشطين فهل هي أجندة مطلوبة مقابل خدمات إعلامية ومالية تؤمنها رعاية اميركية خليجية معينة وذلك بذاته أسقط مزاعم الاستقلال عنهم فهم إذن ضد جهات حزبية معينة لخدمات غايات خارجية تصب في مصلحة جهات حزبية أخرى ثم إن طريق التغيير يقتضي سن قانون جديد للانتخاب على أساس النسبية وهذه هي الحلقة المركزية في إخراج البلاد من الحلقة المفرغة فالمجلس النيابي المنتخب بالنسبية هو المؤهل لاختيار رئيس جديد للجمهورية وهو الذي ينبغي ان يقر إصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية شاملة على الحراك ان يضع جدولا واضحا بعناوينها.
ثالثا إن إصرار بعض الوطنيين واليساريين المشاركين في الحراك على إخفاء هذه النقاط وغيرها وحظر المناقشة العلنية حولها وترك الأمر للحوارات المغلقة ينطوي على خطأ جسيم ويضمر استعلاء على الجمهور لا يختلف عن أسلوب المتأمركين والمنفوطين من ناشطي “الإنجيؤز” .
إذا كان الحديث عن ثورة فالثورة تفترض علنية ومحاسبة واحتكاما للشعب في القرارات وليس اعتماد طريق الأجندات السرية المكتومة عن الناس والمعروفة لدى السفير الأميركي ومن تعبيرات الوهم السياسي استبدال التركيز على قانون الانتخاب النسبي بالدعوة لتشكيل شرعية شعبية لا توحي التحركات في طبيعتها وخريطتها وحجمها بنضج شروط انبثاقها فعليا .
بعض الخطب يحمل معه شيئا من الانطباع الانبهاري المبني على انفعال اللحظة السياسية التي روت عطشا مزمنا لحضور التمرد الشعبي في المشهد اللبناني وفي ذلك نوع من عبادة العفوية لا يستقيم مع ما يفترض توافره من نضج وحكمة عند بعض القادة والرموز الوطنيين الذين يعتمدون صوتا خافتا في التمايز عن الجماعات المشبوهة في الحراك بينما الأصول تقتضي شجاعة وإقداما في الاختلاف والنقاش العلني لقطع الطريق على تضليل الجماهير .
رابعا إعلان جدول الأولويات في أي تحرك شعبي هو مهمة القيادة وهذا ما يعني في الحراك الشعبي الحالي حدا ادنى هو حل صحيح وسليم لمشكلة النفايات وحدا أعلى هو فتح أبواب الانتقال السياسي لإقامة سلطة سياسية جديدة تلتزم ببرنامج شامل للتغيير الاقتصادي الاجتماعي يناسب الوضع اللبناني وقانون الانتخاب النسبي المدخل .
وبالتالي فالمطلوب علميا للحفاظ على حيوية التحرك ولتقديم إنجازات جدية تحفز الجمهور على متابعة حراكه هو الإعلان عن استمرار الاعتصام في الساحات حتى تقرر الحكومة تأسيس الصندوق المستقل للبلديات وتصرف امواله وتقر خطة شاملة مناسبة صحيا وبيئيا لاستثمار النفايات وتدويرها يضعها فريق خبراء بيئيين متفق عليه والسقف الثاني هو استمرار الاعتصام حتى إقرار المجلس النيابي قانون انتخابات جديد على أساس النسبية وتحديد موعد للانتخابات العامة يعقب صدور القانون الجديد ونشره اما التهرب من هذه الخطوات بشكل مقصود وترك الحراك مفتوحا للاستثمار الخارجي فهدفه الضغط باستعجال انتخاب رئيس للجمهورية على القياسات الأميركية السعودية والأسماء كثيرة.