مقالات مختارة

الحدود السورية ـ التركية: طريق الموت يبدأ من هنا! علاء حلبي

 

قبل بداية العام الحالي كانت الطرق المؤدية إلى تركيا سلسة، سيارات نقل الركاب تعمل كثيرا عبر البلدين، تكاليف الانتقال بسيطة لا تتجاوز الخمسة عشر دولارا (خمسة آلاف ليرة سورية أو أقل)، الأمر الذي وفر طرق دخول ميسرة وبسيطة للمقاتلين الذين وفدوا إلى سوريا من كل حدب وصوب، مقابل موجات نزوح متتالية نحو الأراضي التي تحكمها تركيا، لتمتلئ المخيمات، والقرى القريبة من سوريا بالمهاجرين.

مع حلول العام الحالي اختلفت الأوضاع، تغيرت القوى التي تسيطر على المعابر الحدودية مع تركيا، والتي تشكل مصدر دخل كبيرا لتلك المجموعات المسلحة، كما ارتفعت وتيرة المعارك قرب الحدود، وأصبحت هدفاً لمعظم التنظيمات، «جبهة النصرة» في أعزاز وإدلب، و «داعش» في بعض المحاور، وفصائل أخرى تتنازع في ما بينها للوصول إلى هذه المعابر، بالتزامن مع حصار مطبق على مواقع الأكراد.

وأمام الوضع الحالي الذي رسمته تركيا، من إغلاق وتضييق على الحدود، واقتصار نشاط الحدود للدخول من تركيا إلى سوريا، وإدخال بعض الحالات من الجانب السوري إلى تركيا (مصابو الفصائل المسلحة الذين يتلقون العلاج في المستشفيات التركية، وانتقال القياديين وعناصر الربط بين غرف العمليات في تركيا والفصائل المقاتلة في سوريا) تنامت تنامياً كبيراً ظاهرة المهربين، الذين وسعوا من نشاطهم ليحولوه فعلياً إلى عمليات متكاملة من «الاتجار بالبشر»، تبدأ بالحصول على تعهدات بعدم المكوث في تركيا، وتنتهي بملايين الدولارات تتقاسمها هذه المافيات في ما بينها.

أحد المهربين الناشطين على الحدود مع تركيا كشف خلال حديثه لـ «السفير» عن آلية عمل مافيات التهريب وطرق الانتقال. المهرب الذي رفض الكشف عن اسمه بطبيعة الحال، واختار لقب أبو عبدالله، أوضح أن تكاليف الانتقال غير ثابتة، وتختلف بين يوم وآخر، وبين منطقة وأخرى، تبدأ بـ50 دولاراً، وتصل إلى 1000 دولار.

ويخيّر المواطنون الراغبون بدخول تركيا بين مجموعة كبيرة من المعابر والطرق: خربة الجوز في ريف إدلب الغربي، والتفاحة قرب كسب في ريف اللاذقية، وعفرين وحور كلس والزيزفون (أكدة)، حرجلة، قر مزرعة، الراعي، في ريف حلب، إضافة إلى المعابر الرسمية التي كانت معروفة سابقاً في اعزاز وريف إدلب.

أبو عبدالله الذي شرح خلال حديثه أن المهربين يقومون بشرح مخاطر العبور والتكلفة لكل من يرغب بالدخول إلى تركيا، أوضح أيضاً أنه بطبيعة الحال ترتفع التكلفة كلما قلّت الخطورة، وقصرت مسافة السير على الأقدام، فالعبور عبر المعابر الشرعية الأكثر تكلفة، وقد تصل التكلفة في بعض الأحيان إلى أكثر من 5 آلاف دولار، فيما تعتبر مناطق ريف اللاذقية الأصعب بسبب وعورة المنطقة والمسافات الطويلة التي تتطلب السير على الأقدام.

وتعتبر مناطق ريف حلب الحدودية مع تركيا الأوفر حظا والأقل خطورة والأقل تكلفة، حيث تنشط عبر هذه المناطق مئات المافيات المتخصصة بالتهريب. وفي هذا السياق تؤكد مصادر أهلية أن هذه العصابات ترتبط ارتباطا وثيقا بقوات حرس الحدود التركية، حيث ينسق المهربون مع هذه القوات لتأمين عبور آمن، ويختارون عادة أوقاتا مبكرة جدا للعبور، فيما تطلب بعض العصابات ضمانات من المواطنين بعدم المكوث في تركيا وجعلها طريق مرور فقط إلى أوروبا، تحت ضغط من السلطات التركية. وأوضح «ابو عبدالله» أن الضباط الأتراك على الحدود يتفاوتون في ما بينهم بالمبالغ التي يقبضونها مقابل كل شخص، فتارة يرضون بمبلغ 100 دولار مقابل كل شخص، ومرة أخرى يطالبون بـ200 دولار.

وبحسب أبو عبدالله، تعتبر مناطق وقرى عفرين الأكثر خطورة، حيث تقوم القوات التركية المنتشرة على الحدود في تلك المنطقة بإطلاق النار ويخلون بالاتفاق بين حين وآخر، تبعا للضغوط السياسية التي تمارسها الحكومة التركية ضد الأكراد. وقد سجل في هذا السياق مقتل عشرات المواطنين برصاص القوات التركية في هذه المناطق.

وفي وقت تتابع فيه السلطات التركية التضييق على الحدود، سواء عبر حفر الخنادق (قرب معبر نصيب)، أو عبر الأسلاك الشائكة، أو حتى عبر بناء جدار اسمنتي كبير (عند الحدود المحاذية لريف اللاذقية)، أو حتى زراعة الألغام، تساهم هذه الضغوط بزيادة فعالية المهربين الذين ينشط عملهم مع زيادة الضغوط على حركة المرور الفردية، وفق المهرب.

ولا يقتصر نشاط «مافيات» التهريب على تأمين دخول السوريين إلى تركيا فحسب، بل ساهم امتداد فترة الحرب، وزيادة الإقبال على اللجوء إلى أوروبا بامتداد عمل بعض «المافيات» وتشابك العصابات التي تنشط في سوريا وتركيا، فبرزت في الآونة الأخيرة «مافيات» تؤمن تهريب السوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي، عبر تركيا، الأمر الذي يبدو أن السلطات التركية سهّلته كثيرا لضمان عدم مكوث السوريين على أراضيها.

وتتكفل هذه «المافيات» بتهريب السوريين إلى الداخل التركي، وتأمين نقلهم عبر المراكب إلى اليونان، مقابل مبلغ يتجاوز الثلاثة آلاف دولار من الشخص الواحد. ولعل الحادثة التي شهدتها ولاية مانيسا التركية قبل يومين، حيث تم العثور على 13 سورياً قام مهربون باحتجازهم وتكبيلهم في أحد البساتين بعد سرقة أموالهم وأوراقهم الرسمية، بعد الاتفاق على تهريبهم إلى اليونان، قد تشكل مؤشرا على حجم عمل عصابات التهريب، والعصابات التي تعمل تحت ستار التهريب أيضا، خصوصا مع ارتفاع وتيرة عبور السوريين إلى أوروبا.

وتقدر بعض المنظمات والتجمعات المعارضة الأموال التي يجنيها المهربون عبر الحدود السورية التركية بملايين الدولارات، يتقاسمها المهربون مع ضباط وعناصر قوات حرس الحدود التركية، وفق شهادات عدة. وفي آخر الإحصاءات المعدة في هذا المجال، قدرت «منظمة الشباب السوري المدني» المبالغ التي دفعها السوريون للمهربين مقابل العبور إلى تركيا خلال شهرين فقط بثلاثة ملايين دولار، وفق عملية حساب بسيطة تقضي بدفع مبلغ 100 دولار عن كل شخص عبر الحدود في الفترة الماضية (علما أن هذا المبلغ يعتبر الحد الأدنى لعبور الحدود)، مشيرة إلى أنه بحسب تقديراتها فقد عبر خلال شهري حزيران وتموز الماضيين ثلاثون ألف سوري (الحد الأدنى من التقديرات)، بمتوسط عبور 500 شخص فقط في اليوم، وهي أرقام تعتبر أقل بكثير من أرقام العبور الحقيقية.

وفي وقت تمثل فيه المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا أولى خطوات الطريق إلى لجوء بكل ما تحمله من موت، لا تعتبر هذه الطرق وحيدة بالنسبة للسورين، الذين يهاجرون عبر جميع الطرق المتاحة، سواء عبر الأردن، أو لبنان ومنها إلى مصر فليبيا، أو إلى تركيا، من دون وجود أرقام أو تقديرات لعدد السوريين الفارين عبر هذه الطرق.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى